تحليلات واراء

خطط الاحتلال المتعثرة في غزة ومربع الخيانة العربي

بين الضغط على المقاومة والمراهنة على الانهيار الداخلي

تواجه دولة الاحتلال الإسرائيلي، في هذه المرحلة من حربها على غزة، تحديات داخلية معقدة تعيق تنفيذ خطط احتلال مدينة غزة المعلنة. فإلى جانب المقاومة الميدانية المستمرة، برزت مشاكل تنظيمية وسياسية داخل جيش الاحتلال، دفعت تل أبيب إلى تفعيل مسارات موازية – سياسية وأمنية – لمحاولة تحقيق أهدافها بوسائل غير عسكرية مباشرة.

وفي قلب هذه المسارات، تقف دول عربية مركزية – مصر، الأردن، السعودية، والإمارات – إلى جانب السلطة الفلسطينية، في ما يمكن وصفه بـ”مربع الخيانة”، حيث تتكامل أدوار هذه الأطراف في الضغط على حماس لقبول اتفاقية تُماثل “الاستسلام المقنع”، على غرار ما جرى في لبنان مع حزب الله في محطات سابقة.

أزمة الجيش الإسرائيلي في التخطيط والتنفيذ

الخطة المعلنة لجيش الاحتلال تقوم على احتلال مدينة غزة، باعتبارها مركز الثقل السياسي والميداني للمقاومة. لكن تنفيذ هذه الخطة يواجه أزمات داخلية في صفوف الجيش، أهمها:

الخسائر البشرية المتزايدة التي تثير تململًا شعبيًا وسياسيًا داخل دولة الاحتلال.

تضارب الأولويات بين الأجنحة العسكرية والسياسية، خاصة مع ضغط عائلات الأسرى للإسراع في إنهاء الحرب بأي ثمن.

المخاوف الاستخبارية من أن اقتحام مدينة مكتظة بالمدنيين والمقاومين سيؤدي إلى خسائر غير مسبوقة، وربما أسر جنود جدد.

هذه المعطيات دفعت القيادة الإسرائيلية للبحث عن بدائل أقل كلفة عسكرية وأكثر قابلية للتسويق دوليًا.

البديل العربي: الضغط على المقاومة

التحرك العربي الموازي جاء بوضوح من خلال اتصالات مكثفة بين القاهرة، عمان، الرياض، وأبوظبي، بالتنسيق مع قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله.

المصادر تشير إلى أن هذه الأطراف تسعى لفرض صيغة تسوية على حماس تتضمن:

وقف إطلاق نار طويل الأمد مقابل ترتيبات أمنية.

نزع السلاح الثقيل أو تحجيم قدرات المقاومة.

إدخال السلطة الفلسطينية تدريجيًا إلى غزة تحت غطاء إعادة الإعمار.

الخطاب العربي الموجه إلى المقاومة يتسم بالتحذير من “الدمار الشامل” إذا لم يتم القبول بالتسوية، في تكرار لأسلوب الضغط الذي مارسته أطراف لبنانية على حزب الله في مراحل حرجة، خدمةً للأجندة الإسرائيلية.

استنساخ التجربة اللبنانية

التجربة التي يحاول “مربع الخيانة” العربي استنساخها تعود إلى محطات ما بعد حرب تموز 2006، حين لجأت إسرائيل إلى تحريك أطراف لبنانية داخلية لفرض قيود على حزب الله من الداخل، بعد فشلها في تحقيق ذلك عسكريًا.

اليوم، تسعى الأطراف العربية، ومعها السلطة الفلسطينية، إلى لعب الدور ذاته: الضغط من الداخل الفلسطيني على حماس، عبر تحريك مسارات سياسية واقتصادية وإعلامية، من أجل انتزاع تنازلات لم تستطع دولة الاحتلال فرضها ميدانيًا.

الخطة الخفية: ضربة خاطفة لتحرير الأسرى

رغم الحديث الإعلامي المكثف عن خطة احتلال غزة، تشير المعلومات إلى وجود خطة إسرائيلية موازية غير معلنة، هدفها تنفيذ ضربة خاطفة وغادرة لتحرير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة.

رُصدت بالفعل تحركات استخبارية ولوجستية للاحتلال في محيط القطاع، تُفسر على أنها محاولات لجمع معلومات دقيقة عن أماكن الاحتجاز، وأسلوب الحراسة، وخطوط الإمداد.

هذه الخطة، رغم طابعها السري، تعكس مأزق الاحتلال: فهو يدرك أن عملية واسعة النطاق قد تفشل في تحقيق الأهداف المعلنة، بينما ضربة خاطفة – إن نجحت – ستشكل نصرًا سياسيًا ومعنويًا سريعًا.

ثلاثة مسارات متوازية… ومصير واحد

التحركات الإسرائيلية تتوزع حاليًا على ثلاثة مسارات متوازية:

الضغط العربي عبر مربع الخيانة، لفرض اتفاق استسلام مقنع على حماس.

الخطة المعلنة لاحتلال مدينة غزة.

العملية الخاطفة لتحرير الأسرى.

لكن جميع هذه المسارات تواجه احتمالات الفشل:

الضغط العربي قد يزيد تمسك المقاومة بمواقفها، خاصة مع كشف هذه الضغوط للرأي العام الفلسطيني.

احتلال غزة ميدانيًا قد يتحول إلى مستنقع استنزاف طويل الأمد.

العملية الخاطفة قد تنتهي بكارثة، إذا تمكنت المقاومة من إحباطها أو أسر مزيد من الجنود.

انعكاسات على الأطراف العربية المشاركة

الدول العربية المنخرطة في هذا المخطط تراهن على أن نجاحه سيعزز نفوذها الإقليمي ويُرضي واشنطن وتل أبيب. لكن الفشل المحتمل سيترك أثرًا عكسيًا، إذ قد تتحول هذه الأطراف إلى متهمين بالتواطؤ أمام شعوبهم، وتدفع ثمن انكشاف دورها في خدمة الأجندة الإسرائيلية.

كما أن فشل المخطط سيعزز المحور الداعم للمقاومة، ويمنح حماس ورقة قوة سياسية ومعنوية أمام الداخل الفلسطيني والخارج.

وعليه فإن المشهد الحالي يكشف عن أزمة إسرائيلية مركبة: عجز عسكري في تحقيق الحسم، اعتماد مفرط على الوسطاء العرب، وتشتت الجهود بين خطط متعارضة. وفي المقابل، تصر المقاومة على الصمود ورفض الإملاءات، ما يجعل كل هذه المسارات معرضة للفشل.

إذا صحت التوقعات، فإن ما يُطبخ حاليًا خلف الكواليس – من القاهرة إلى تل أبيب – قد ينقلب فوق رؤوس المشاركين فيه، لتتحول محاولة “إنقاذ إسرائيل” إلى محطة جديدة من محطات فشلها الاستراتيجي في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى