السلطة الفلسطينية.. أزمة شرعية وإقصاء ممنهج يعيد إنتاج الفشل السياسي

تواجه السلطة الفلسطينية اليوم انتقادات واسعة بسبب نهجها المستمر في تسييس مؤسسات الحكم المحلي، الأمر الذي بات يهدد الثقة الشعبية ويعيد إنتاج الفشل السياسي بما يؤكد استمرار أزمة الشرعية السياسية في الضفة الغربية.
فقد أشار الباحث السياسي نبهان خريشة إلى أن اشتراط السلطة الفلسطينية معايير سياسية محددة للترشح في انتخابات الهيئات المحلية يكرس نهج الإقصاء الذي تتبعه منذ سنوات طويلة، ويحول الهيئات المفترض أن تكون مساحة للمشاركة المجتمعية وإدارة الشأن اليومي إلى أدوات لمراكمة السلطة والسيطرة على المجتمع.
وجاء القانون الجديد، كما يراه خريشة، في بيئة تعاني من تراجع حاد في الحريات، واحتقان اجتماعي مستمر، وأزمة اقتصادية خانقة تعصف بالضفة الغربية، وسط غياب المجلس التشريعي واستمرار الانقسام الداخلي وتآكل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
في هذا السياق، يصبح إصدار تشريعات من طرف واحد دون توافق وطني أمرًا لا يعالج المشكلات البنيوية، بل يحوّلها إلى مزيد من مصادر النزاع، ويعيد إنتاج الأزمة نفسها بطريقة أكثر حدة.
السلطة الفلسطينية ويكيبيديا
يؤكد مراقبون أن تسييس الانتخابات المحلية بهذا الشكل يفقدها مصداقيتها ويحولها إلى إجراء شكلي لا يؤثر في الواقع على إدارة الشأن العام، بل يعكس رغبة السلطة في تحسين صورتها أمام الضغوط الدولية، دون أي نية حقيقية لمعالجة العوامل التي أدت لفقدان الثقة بالنظام السياسي.
فالسلطة لا تبحث عن إصلاحات حقيقية، بل عن بقاء الهيمنة والاحتفاظ بمناصب القرار، على حساب المشاركة الشعبية والتعددية السياسية التي تعتبر أساس أي نظام ديمقراطي مستقر.
وتتجلى الأزمة العميقة التي تواجه السلطة الفلسطينية كذلك في استخدام شروط الترشح كأداة للإقصاء السياسي.
فقد أصبحت هذه الشروط وسيلة لحرمان الخصوم من الوصول إلى المواقع المحلية، ما يعكس عدم احترام السلطة لمبدأ المنافسة الحرة ويؤكد استمرار النهج السلطوي في إدارة الشؤون العامة.
ويعكس هذا النهج افتقار القيادة السياسية للقدرة على إدارة الحوار الوطني الشامل، ويحول الانتخابات المحلية إلى مجرد واجهة شكلية، تخفي وراءها استمرار الفساد وانعدام الشفافية.
ويشير خريشة إلى أن الثقة الشعبية لن تعود ما دام إصدار التشريعات يتم بقرارات منفردة، والانتخابات مؤجلة، والشروط المفروضة على الترشح تُستخدم لإقصاء أي معارضة.
ولا تقتصر هذه الممارسات على الانتخابات المحلية، بل تعكس سياسة عامة تعتمد على التحكم بالعملية السياسية، وإضعاف مؤسسات الرقابة والمساءلة، وتعطيل دور المجلس التشريعي، ما يحوّل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية إلى أدوات بروتوكولية بلا فعالية، ويزيد من شرخ الانقسام الداخلي الذي يضعف الموقف الفلسطيني أمام التحديات الوطنية والإقليمية.
إصلاح السلطة الفلسطينية
تتعمد السلطة الفلسطينية فرض سياسة إدارة الأزمة لا حلها، فهي تركز على التغطية الإعلامية والظهور بمظهر الإصلاح أمام المجتمع الدولي، بينما تعمّق الواقع المحلي أزمة الثقة والتمثيل.
ويؤكد خريشة أن أي تشريع يصدر دون توافق وطني يتحول إلى عامل استفزاز وصراع، ويزيد من تدهور الحالة السياسية، بدلاً من أن يكون خطوة إصلاحية تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والتعددية.
ويشدد على أن الإصلاح الحقيقي يبدأ بإرادة سياسية حقيقية تفتح المجال للتعددية وإعادة دور المجلس التشريعي، وبناء منظمة التحرير الفلسطينية وفق رؤية شاملة، تمهّد لإجراء انتخابات شاملة تعيد الشرعية من أساسها.
ومن دون ذلك، فإن أي قوانين أو تعديلات ظاهرها الإصلاح وباطنها السيطرة ستستمر في إنتاج نفس النتائج: مزيد من الإحباط الشعبي، ومزيد من الفساد، واستمرار الانقسام، وتراجع الثقة في المؤسسات الفلسطينية على المستويين الداخلي والدولي.
وبالمحصلة فإن السلطة الفلسطينية تصر على أنها لم تتعلم من أخطاء الماضي، بل أعادت إنتاج النهج ذاته، الذي يضمن استمرار سيطرتها على السلطة والإبقاء على المواطن في موقع المراقب السلبي، بلا قدرة حقيقية على المشاركة في اتخاذ القرار، وهو ما يجعل مستقبل العملية السياسية الفلسطينية معرضًا لمزيد من التدهور والانقسام، ويؤكد الحاجة الملحة لإصلاحات جوهرية تبدأ بإرادة سياسية حقيقية، وليس مجرد إجراءات شكلية.





