تحليلات واراء

صمت القبور من السلطة إزاء فضيحة فساد بيع مبنى منظمة التحرير في بيروت

تواصل قيادة السلطة الفلسطينية التزام صمت القبور إزاء ما تكشف تباعا عن شبهات فساد خطيرة تتعلق ببيع مبنى منظمة التحرير والأرض المحيطة به في العاصمة اللبنانية بيروت.

وكان السفير السابق للسلطة الفلسطينية في لبنان، أشرف دبور، أثار موجة تساؤلات واسعة حول إدارة المال العام، وعمق الأزمة الأخلاقية والمؤسسية داخل بنية السلطة بعد كشفه قضية الفساد الخطيرة المتعلقة بمبني منظمة التحرير.

وتسلط القضية الضوء على نمط متكرر من غياب الشفافية، وتغوّل مجموعات نافذة، وتهميش الرقابة القانونية، في وقت يعاني فيه الشعب الفلسطيني من أزمات سياسية واقتصادية خانقة.

وفي تغريدة مطوّلة، أوضح دبور أنه تأكد من صحة خبر بيع المبنى، الذي يُعد من أملاك منظمة التحرير الفلسطينية، وأن عملية البيع جرت “بطريقة مريبة” من قبل لجنة كُلّفت من السلطة، دون إعلان واضح عن تفاصيل الصفقة أو معاييرها.

وأكد دبور أن قيمة المبنى والأرض المحيطة به تُقدَّر بملايين الدولارات، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول كيفية إدارة هذا الأصل الوطني، وأين ذهبت عائداته.

واللافت في رواية دبور هو كشفه عن تلقيه عرضًا بمبلغ 500 ألف دولار، وُصف له على أنه “هدية” أو “عربون تقدير”، أي نصف مليون دولار من أصل المبلغ الكامل المقبوض من بيع العقار.

ويعد هذا العرض، بحسب دبور، مؤشرًا خطيرًا على عقلية سائدة في إدارة المال العام، تقوم على تحويل أموال الشعب إلى أدوات إسكات وشراء صمت.

وتساءل دبور بوضوح: “لماذا يُعرض عليّ هكذا مبلغ؟ وهل هذا التقدير منصوص عليه بالقوانين والأنظمة؟ ومن يمنح الحق للجنة كُلّفت ببيع ملك عام التصرف بأي جزء من الثمن المقبوض؟”.

ويمضي السفير السابق أبعد من ذلك، حين يطرح أسئلة جوهرية حول غياب الشفافية: أين القوانين المرعية؟ أين الرقابة المالية؟ ولماذا لم يُعلَن عن اتفاقية البيع، أو عن الثمن الذي جرى التوافق عليه، أو المعايير التي حُدِّد على أساسها؟.

والأهم، أين أُودِع المبلغ؟ هل دخل الخزينة العامة، أم أُودِع في حسابات خاصة؟  وهو ما يكشف عن فراغ رقابي خطير داخل السلطة الفلسطينية.

السلطة الفلسطينية ويكيبيديا

يصف دبور ما سُمّي بـ“عربون التقدير” بأنه ليس سوى “شريط لاصق على الفم لإسكاته”، ووسيلة مشبوهة لإماتة الضمير والأخلاق، في خرق صريح للقسم الذي يؤديه المسؤولون بالحفاظ على مصالح الشعب الفلسطيني.

فطرح مبلغ ضخم كهذا على مسؤول سابق، بذريعة “الهدية”، يعكس، وفق دبور، محاولة فجة لتطبيع الفساد وتحويله إلى ممارسة اعتيادية.

ويشدد دبور على أن ثمن المبنى والأرض هو ملك للشعب الفلسطيني، وأن الحفاظ على هذه الممتلكات واجب دستوري وأخلاقي على كل من يتولى تمثيل هذا الشعب، سواء داخل فلسطين أو في أماكن وجوده في الشتات. ومن هنا، فإن التفريط بهذه الأملاك أو إدارتها بطريقة غامضة لا يُعد مجرد مخالفة إدارية، بل اعتداءً مباشرًا على الحقوق الوطنية.

وفي اتهام بالغ الخطورة، أشار دبور إلى وجود مجموعة من المستشارين والممثلين الذين يستغلون مواقعهم وسلطاتهم لخدمة مصالحهم الشخصية، على حساب المصلحة العامة، ويفرضون مناخًا من الترهيب وتكميم الأفواه بحق كل من يحاول كشف الحقيقة أو مساءلة الفساد ما أسهم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، وأضعف ثقة الجمهور بالمؤسسات الرسمية.

وأطلق السفير السابق نداءً مباشرًا إلى قيادة حركة فتح، المركزية والثورية، المنتخبة من المؤتمر العام، داعيًا إياها إلى تحمّل مسؤولياتها التاريخية، واتخاذ الإجراءات اللازمة وفق القوانين والأنظمة المعمول بها، بعيدًا عن الحسابات الفئوية أو حماية المتنفذين.

وحذّر من أن التاريخ “لن يرحم” من قصّر في حماية استمرارية النضال الوطني وحقوق الشعب الفلسطيني.

وفي خطوة تصعيدية، كشف دبور عن عزمه تقديم جميع المعلومات والوثائق المتعلقة ببيع المبنى والأرض في دعوى قضائية أمام النيابة العامة الفلسطينية واللبنانية، نظرًا لوقوع العقار في لبنان.

كما أشار إلى أنه سيضع الوثائق المتاحة بين يدي قيادة السلطة في الوقت المناسب، مع الحفاظ على سرية الحركة، في إشارة إلى حساسية الملف وتشعباته.

وتكشف هذه القضية، بما تحمله من تفاصيل صادمة، عن عمق أزمة الفساد داخل السلطة الفلسطينية، وعن الحاجة الملحّة لإعادة بناء منظومة رقابة حقيقية، تُخضع المال العام للمساءلة، وتعيد الاعتبار لمفهوم الأمانة الوطنية.

إذ أن بيع مبنى لمنظمة التحرير في الخارج ليس مجرد صفقة عقارية، بل اختبار أخلاقي وسياسي لمدى التزام السلطة بحقوق شعبها، في زمن تتآكل فيه الثقة، وتتسع فيه الفجوة بين الخطاب والممارسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى