
بينما تمضي إسرائيل في تنفيذ خطة استيطانية غير مسبوقة لإقامة 13 مدينة جديدة و5 مناطق صناعية في شمال الضفة الغربية، تواصل السلطة الفلسطينية صمتها المريب، دون أي تحرّك فعلي أو موقف سياسي أو قانوني يرقى إلى مستوى الكارثة المحدقة بالأرض الفلسطينية.
المشروع الذي أُعلن عنه رسميًا من قبل مجلس مستوطنات شمال الضفة تحت اسم “مليون يهودي في السامرة”، يستهدف تغيير البنية الديمغرافية والجغرافية للضفة، وتحويلها إلى أرخبيل من التجمعات الفلسطينية المحاصرة داخل بحر من المستوطنات.
السلطة تلتزم الصمت المخزي
المفارقة القاتلة أن هذا المشروع يُنفّذ على مرأى ومسمع من السلطة، التي تواصل أداء دورها الأمني والإداري دون أي محاولة لتعطيله.
فالبيان الوحيد الصادر عن السلطة لم يتجاوز التنديد اللفظي الخافت، بينما تستمر التنسيقات الأمنية مع الاحتلال في مناطق يُهددها الزحف الاستيطاني بشكل مباشر.
ويرى محللون أن هذا الصمت لم يعد يُفهم على أنه تقاعس، بل بات يُنظر إليه كـ”تواطؤ سياسي غير معلن”، يكرّس واقع الانفصال بين السلطة ومصالح شعبها، ويُعيد إنتاج أوسلو كغطاء للاستيطان بدلًا من كونه مسارًا نحو الدولة.
استيطان يلتهم الضفة
وفي الوقت الذي تُحوّل فيه إسرائيل شمال الضفة إلى مختبر لمشروع “الهندسة الاستيطانية”، تنشغل أجهزة أمن السلطة بملاحقة المقاومين ومنع الحراك الشعبي، و”ضبط الأمن” لصالح الاحتلال.
فجنين، التي تُستهدف بمجزرة يومية منذ أشهر، تُترك بلا حماية أو دعم، بينما تُمارس السلطة فيها دور “الحاكم الإداري” المنسق مع الاحتلال.
هذا الأداء، بحسب مراقبين، يُساهم عمليًا في تهيئة الأرض أمام الاحتلال لتنفيذ مشروعه بأقل كلفة ممكنة، ويجعل من السلطة عنصرًا وظيفيًا في المعادلة الاستعمارية الجديدة.
ويشكك كثير من الفلسطينيين في جدية السلطة وقدرتها على التصدي لمثل هذه المشاريع، خاصة مع ارتباطها باتفاقيات اقتصادية وأمنية تجعلها رهينة التمويل والدور الوظيفي المفروض دوليًا.
ويرى باحثون أن السلطة، إذا لم تُراجع جذريًا علاقتها بالاحتلال، فإنها ستكون شاهدة زور على نهاية ما تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني.
المشهد في شمال الضفة اليوم هو نموذج مصغّر لسياسة “فرض الوقائع” التي تتبعها إسرائيل بدعم أمريكي وتواطؤ إقليمي، وصمت فلسطيني رسمي.
وبينما تُحكم إسرائيل قبضتها على الأرض، تغرق السلطة في صراعاتها الداخلية، وتُحافظ على شبكة التنسيق الأمني التي تخدم الاحتلال أكثر مما تخدم شعبها.