فضيحة جديدة للاحتلال بشأن استخدام ممنهج للدروع البشرية في غزة

أقر عدد من الجنود الإسرائيليين بصحة روايات لأسرى فلسطينيين بشأن استخدام ممنهج من جيش الاحتلال للدروع البشرية خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة في غزة منذ أكثر من عام ونصف.
وأكدت وكالة (أ.ب) العالمية أن استخدام جيش الاحتلال الفلسطينيين تم بشكل منهجي كدروع بشرية في قطاع غزة، خصوصًا خلال عمليات البحث عن متفجرات ومقاتلين داخل المنازل والأنفاق.
وأبرزت الوكالة أن هذه الممارسة، التي حظرتها القوانين الدولية وتدينها منظمات حقوق الإنسان، يبدو أنها امتدت وانتشرت على نطاق واسع خلال الحرب على غزة المستمرة منذ 19 شهراً.
شهادات فلسطينية وإسرائيلية تكشف النقاب
وكالة أسوشيتد برس أجرت مقابلات مع سبعة فلسطينيين ممن قالوا إنهم أُجبروا على المشاركة في عمليات عسكرية إسرائيلية كدروع بشرية في كل من غزة والضفة الغربية المحتلة.
هؤلاء وصفوا تجاربهم المؤلمة التي تشمل دفعهم بالقوة إلى داخل المباني والأنفاق بزعم البحث عن عبوات ناسفة ومقاومين.
في المقابل، تحدث جنديان إسرائيليان ممن شاركوا في هذه العمليات، بالإضافة إلى ضابط أبلغ منظمة غير حكومية إسرائيلية تُدعى “كسر الصمت”، مؤكّدين أن هذه الممارسة كانت منتشرة ومتعارف عليها، بل كان بعض القادة العسكريين يوافقون عليها أو يصدرون أوامر مباشرة بتطبيقها.
وأشار الجنود إلى استخدام مصطلحات داخلية مثل “بروتوكول البعوض”، حيث كان يُرمز إلى الفلسطينيين بـ”البعوض” أو “الدبابير” – تعبيرات تنم عن استخفاف كبير بالمدنيين الفلسطينيين وتحويلهم إلى أدوات في العمليات العسكرية.
انتشار سريع منذ 7 أكتوبر 2023
أفاد الجنود الإسرائيليون أن استخدام الدروع البشرية كوسيلة عملية بدأ بشكل واضح بعد هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، وازداد انتشارًا حتى منتصف عام 2024، بحيث أصبحت هذه الممارسة جزءًا روتينيًا من العمليات الميدانية في غزة.
وفقًا لشهادتهم، كانت أوامر “إحضار بعوضة” تصل عبر الراديو، وكانت واضحة للجميع كطلب استقدام فلسطينيين لاقتحام مبانٍ أو أنفاق خطرة.
وقال أحد الجنود البالغ من العمر 26 عامًا، الذي قضى تسعة أشهر في غزة: “بمجرد أن بدأت هذه الفكرة، انتشرت كالنار في الهشيم. رأى الجنود مدى فعاليتها وسهولة استخدامها”.
وأضاف أن كل وحدة مشاة كانت تعتمد على فلسطيني لإخلاء المنازل قبل دخولها، لتقليل الخسائر البشرية في صفوف القوات الإسرائيلية.
تقارير داخلية عن مآسي “غير مقصودة”
الممارسات التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي لم تخلُ من الحوادث المأساوية، إذ أن ضابطا إسرائيليا أشار إلى أنه أعد تقريرين رسميين عن استخدام الدروع البشرية، أحدهما يوثق قتل فلسطيني عن طريق الخطأ، حين أطلقت عليه قوات إسرائيلية النار أثناء محاولته الدخول إلى منزل، دون أن يدركوا أنه كان يُستخدم كدرع بشري من قبل وحدة أخرى.
واقترح الضابط إضفاء ملابس عسكرية على الفلسطينيين المستخدمين كدروع بشرية لتجنب هذا النوع من الحوادث، لكن هذه التوصية لم يتم تبنيها. كما أشار إلى وفاة فلسطيني آخر خلال تأديته هذه المهمة، حيث أغمي عليه داخل نفق تحت الأرض.
تاريخ طويل من الاتهامات
تقول منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية إن دولة الاحتلال استخدمت الفلسطينيين كدروع بشرية لعقود طويلة، خصوصًا في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ورغم أن المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت قرارًا في 2005 بحظر هذه الممارسة، إلا أن تقارير هذه المنظمات تُظهر استمرار الانتهاكات في السنوات الأخيرة.
وقال خبراء ومحللون عسكريون إن ما يحدث اليوم في الحرب على غزة هو انتشار واسع وغير مسبوق لاستخدام الدروع البشرية في ساحة القتال، ما يثير جدلاً دوليًا جديدًا حول انتهاك القوانين الدولية الإنسانية، التي تحظر استخدام المدنيين كأدوات في العمليات العسكرية.
وفي تصريحات أدلى بها جنديان إسرائيليان لوكالة أسوشيتد برس، بالإضافة إلى شهادة ثالثة أمام منظمة “كسر الصمت”، أكدوا أن القادة كانوا على علم بهذه الممارسة ولم يمنعوا تنفيذها بل أحيانا شجعوا عليها.
قال أحد الجنود إن “أوامر ‘إحضار بعوضة’ كانت شائعة للغاية، وكانت مفهومة جيدًا بين القوات، وكان الجنود ينفذونها كجزء من واجباتهم العسكرية”.
وصف هؤلاء الجنود هذه الممارسة بأنها وسيلة فعالة لتقليل المخاطر على القوات الإسرائيلية، لكنها تأتي على حساب المدنيين الفلسطينيين الذين يُجبرون على المشاركة في مهام خطرة وغير إنسانية.
شهادات الفلسطينيين
السبعة الفلسطينيون الذين تحدثوا لوكالة أسوشيتد برس وصفوا تجربتهم القاسية وهم يُجبرون على دخول المباني والأنفاق تحت التهديد والضغط من القوات الإسرائيلية، وقالوا إنهم لم يكونوا قادرين على رفض المشاركة خوفًا من العقوبات أو التهم أو الاعتقال.
كما أكدوا أن هذا الاستخدام جعَلهم عرضة للقتل أو الإصابة في أكثر من مناسبة، مع غياب أي حماية أو حقوق.
أحد المعتقلين السابقين قال: “كنا مجرد أدوات في يدهم، يُستخدموننا كما يشاءون، دون اعتبار لحياتنا أو سلامتنا. كان الأمر كابوسًا”.
وهذه الممارسات التي يتحدث عنها التحقيق تفتح الباب أمام نقاش دولي حول مدى احترام إسرائيل للقانون الدولي الإنساني، وتسلط الضوء على معاناة المدنيين الفلسطينيين الذين يتحولون إلى أداة في حرب لا يملكون فيها خيارًا.
كما تثير تساؤلات عن مسؤولية القادة العسكريين والسياسيين في تل أبيب، الذين يبدو أنهم يتحملون مسؤولية سماحهم واستمرار هذه الممارسات، رغم القوانين التي تحظرها.