تحليلات واراء

تصعيد إسرائيلي على وقع موقف السلطة الفلسطينية المتواطئ

بعد قرار بناء 22 مستوطنة في الضفة الغربية

في خطوة اعتبرها نشطاء فلسطينيون ودوليون بمثابة تصعيد خطير يعمّق أزمة الاحتلال ويقوّض آمال قيام دولة فلسطينية مستقلة، وافقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية المحتلة.

وتُعد هذه الخطوة الاستيطانية الأكبر من نوعها منذ عقود، وتشير إلى توجه إسرائيلي حازم لتكثيف الاستيطان وتوسيع السيطرة على الأرض الفلسطينية، في سياق سياسة ممنهجة لفرض الأمر الواقع وطمس فرص السلام.

في ظل هذه التطورات، تواجه السلطة الفلسطينية تحديًا استراتيجيًا بالغ الحساسية في ظل ما تتورط به من تواطؤ فاضح في عدوان الاحتلال الذي يشمل عمليات قتل وتدمير واسعة النطاق في الضفة الغربية.

قضم متواصل للأرض وتقويض لحل الدولتين

قرار الحكومة الإسرائيلية يتضمن إضفاء الشرعية على تسع بؤر استيطانية كانت تُعتبر من أبزر بؤر التطرف والعنف في حركة الاستيطان، إضافة إلى إنشاء مستوطنات في مناطق استراتيجية، أبرزها جبل عيبال القريب من نابلس، الذي يحمل رمزية دينية للتشدد الاستيطاني، ومستوطنات في مناطق كانت إسرائيل قد أخلتها عام 2005، لكن المستوطنين عملوا على استعادتها في خرق للقوانين والاتفاقيات.

ليور عميحاي، من منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية المعنية برصد الاستيطان، وصف الخطوة بأنها “تغيير دراماتيكي في المشهد الجغرافي للضفة الغربية، ويُظهر أن الحكومة الإسرائيلية تعتزم فرض السيادة على الأراضي المحتلة وتكريس الاحتلال”.

ومن بين أهداف الاستيطان المعلنة والأخرى الضمنية، ثلاث محاور رئيسية: أولها كسر الاستمرارية الجغرافية للضفة، بحيث تفقد الدولة الفلسطينية المستقبلية قدرتها على البقاء، ثانيًا قمع التنمية الفلسطينية في المناطق المحيطة، وثالثًا ما يُمكن توصيفه بـ”التطهير العرقي” عبر الترهيب والتهجير القسري للسكان الفلسطينيين في المناطق الصغيرة.

ويرى قياديون فلسطينيون أن السلطة تتحمل مسؤولية كبيرة في حماية القضية الوطنية من الانزلاق نحو تصعيد دموي يبرره الاحتلال بدعوى رد فعل على أعمال فلسطينية، خصوصًا في ظل تصاعد عمليات الاستيطان التي لا تتوقف، مما يتطلب تركيزًا على وحدة الموقف الفلسطيني وصون السلم الأهلي ورفض الذرائع التي قد يستغلها الاحتلال.

خطر الذرائع الإسرائيلية: تكريس العنف بلا مبرر

السلطة الفلسطينية تحذر من أن الاحتلال بات يستخدم أي ذريعة ولو واهية لتبرير هجماته على الضفة الغربية، من عمليات قتل وتدمير للبيوت ومصادرة الأراضي، مما يجعل من الضروري عدم منح الاحتلال أي فرصة لاستغلال الحوادث أو الأحداث للتمدد أكثر في تنفيذ مخططاته الاستيطانية والتهويدية.

تاريخيًا، أثبتت دولة الاحتلال أن الاستيطان لا يتوقف، وأنها تتخذ من أي حدث ذريعة لمزيد من السيطرة والاحتلال، وهو ما يتناقض مع القوانين الدولية التي تعتبر المستوطنات غير قانونية. وهذا ما يزيد من صعوبة الموقف الفلسطيني ويُضاعف من مسؤولية السلطة في إدارة الأزمة.

الاستيطان عقبة كبرى أمام السلام

هذه الخطوة الإسرائيلية لم تلقَ رفضًا فلسطينيًا فقط، بل دانتها أيضًا دول ومنظمات دولية عدة، من بينها بريطانيا التي وصف وزير شؤون الشرق الأوسط فيها، هاميش فالكونر، القرار بأنه “عقبة متعمدة أمام إقامة الدولة الفلسطينية”.

ومع ذلك، تصر الحكومة الإسرائيلية على أن إنشاء المستوطنات الجديدة جزء من “تعزيز الأمن”، و”تغيير وجه المنطقة”، في تصريحات رسمية من وزارة الجيش التي أكدت أن القرار سيشكل “مستقبل الاستيطان لسنوات قادمة”.

لكن الواقع على الأرض يُظهر عكس ذلك، إذ أن توسيع المستوطنات يرافقه هجمات متزايدة على الفلسطينيين، وعمليات تهجير قسري واسعة، خاصة في المناطق الحساسة مثل تلال الخليل الجنوبية، حيث تعيش تجمعات فلسطينية صغيرة تعاني من اعتداءات مستمرة.

خطوة نحو الضم الرسمي

يدعو هذا التصعيد إلى قراءة سياسية دقيقة تحيل إلى أن حكومة اليمين الإسرائيلي، بقيادة بنيامين نتنياهو، تستثمر في الاستيطان كوسيلة لتحقيق ضم شامل للضفة الغربية، وهو الهدف الذي أعلنه بشكل مباشر بعض وزرائه مثل بتسلئيل سموتريتش، الذي وصف الخطوة بأنها “تغيير استراتيجي عميق” و”جدار حماية لدولة إسرائيل”.

هذه السياسة تُظهر أن الاحتلال لا يكتفي بالاحتلال العسكري فقط، بل يسعى لخلق واقع جديد على الأرض عبر المستوطنات يهدد وجود الفلسطينيين ويجعل حل الدولتين أمراً مستحيلاً.

هل توجد ذرائع في الضفة الغربية؟

في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي الفلسطينية، تتكرر دعوات السلطة الفلسطينية وكبار مسئوليها لفصائل المقاومة بعدم منح الاحتلال أي ذرائع يمكنه استخدامها لتبرير عملياته العسكرية وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني.

لكن السؤال الأبرز: هل توجد بالفعل ذرائع في الضفة الغربية تستند إليها إسرائيل لتبرير عدوانها؟ الواقع يؤكد العكس.

فالضفة الغربية تعاني من توسع استيطاني مستمر يرافقه اعتداءات يومية على الفلسطينيين، من مصادرة أراضٍ وهدم بيوت واعتقالات عشوائية، دون أي وجود لأعمال مقاومة واسعة أو هجمات تُشكل تهديدًا مباشرًا يُبرر الرد الإسرائيلي العنيف.

بل إن الاحتلال نفسه هو المسبب الرئيسي للتوترات عبر فرض واقع استعماري تقوده حكومة يمينية متشددة تستغل أي حدث صغير لإعادة تصعيد الهجمات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى