تحليلات واراء

رجال حول عباس: محمود الهباش نموذج الفساد والخضوع للاحتلال

في مشهد يعكس مفارقات السلطة الفلسطينية، يبرز اسم محمود الهباش بوصفه أحد أبرز رموز الفساد السياسي والمالي، وأحد أعمدة سياسة الخضوع والتطبيع الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي.

فالرجل الذي بدأ حياته في إطار الحركة الإسلامية في غزة وانتهى بوقًا من أبواق التنسيق الأمني والدعاية لـ”السلام الاقتصادي” تحت حراب الاحتلال، تحوّل إلى أداة وظيفية بيد الرئيس محمود عباس، مستثمرًا موقعه الديني لخدمة أجندات شخصية وسياسية ضيقة.

وُلد الهباش في غزة عام 1964، وبرز في تسعينيات القرن الماضي ضمن الصفوف الدعوية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، قبل أن ينقلب على الحركة إثر تكشف حقيقة مواقفه الانهزامية وشخصيته الفاسدة ليلتحق بعدها بمؤسسات السلطة الفلسطينية في رام الله.

هذا التحول لم يكن مجرّد انتقال تنظيمي، بل عكس تحوّلاً عميقاً في نهج الرجل، من خطاب المقاومة إلى خطاب الخضوع وشرعنة الاحتلال بفتاوى سياسية مموّهة بلبوس الدين.

استغلال الدين للسلطة

عُيّن الهباش وزيراً للأوقاف في حكومة سلام فياض (2009) أول حكومة بعد الانقسام الفلسطيني، قبل أن يصبح لاحقاً “قاضي قضاة فلسطين” ومستشاراً للرئيس عباس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية.

خلال هذه الفترة، استخدم الهباش موقعه الديني لبناء شبكة من المصالح والولاءات الشخصية، متجاوزاً حدود وظيفته إلى ممارسة النفوذ السياسي والاقتصادي.

ومن أبرز مظاهر استغلال الهباش لمنصبه:

التحكّم في تعيينات الأوقاف والقضاء الشرعي وفق معايير الولاء الشخصي لا الكفاءة.

الاستيلاء على موارد الأوقاف واستخدامها في مشاريع تخدم مصالحه ومصالح حاشيته.

توظيف المنابر الدينية لترويج خطاب السلطة، ومهاجمة الخصوم السياسيين وشيطنة المقاومة.

ملفات فساد لا تنتهي: ثروة مشبوهة وحياة باذخة

رغم عدم امتلاكه أي سجلّ اقتصادي أو استثماري معروف قبل دخوله السلطة، راكم الهباش خلال سنوات معدودة ثروة طائلة، انعكست في نمط حياته الفاخر:

يمتلك عقارات فخمة في رام الله وأريحا، يُقدّر بعضها بملايين الدولارات.

يسيطر على استثمارات تجارية عبر واجهات وهمية، بعضها مسجّل بأسماء أقرباء ومقربين.

رحلات فارهة ومصاريف باهظة في الفنادق الفخمة داخل فلسطين وخارجها، على حساب المال العام.

تقارير عديدة تحدّثت عن علاقات مشبوهة تربطه برجال أعمال متورطين في صفقات فساد، واستغلاله لموقعه في تسهيل صفقات مشبوهة تتعلق بالأراضي الوقفية.

بوق التنسيق الأمني والتطبيع: الهباش ضد المقاومة

يُعتبر الهباش من أبرز الأصوات في السلطة الفلسطينية التي تهاجم المقاومة الفلسطينية علناً:

أفتى بتحريم “الانقلاب” على السلطة في إشارة إلى أحداث غزة 2007، موجهاً سهام التخوين لحماس وفصائل المقاومة.

دعا علناً إلى وقف “العنف” ضد إسرائيل، مستخدماً مفردات “السلام” و”الحكمة” لتبرير التنسيق الأمني.

هاجم بشراسة انتفاضة القدس (2015) ووصف العمليات الفردية ضد الاحتلال بأنها “عبثية ولا تخدم القضية”.

خلال عدوان 2021 على غزة، اكتفى الهباش بإدانة “العنف من جميع الأطراف”، متجاهلاً جرائم الاحتلال.

العلاقة العضوية مع عباس: الولاء مقابل النفوذ

يستمد الهباش قوّته من علاقته الشخصية المباشرة مع محمود عباس، حيث:

يعدّ أحد أقرب المقرّبين لعباس في الدائرة الداخلية، ويمثّل حلقة الوصل بين الرئاسة والمؤسسات الدينية.

يقدّم نفسه كـ”مستشار ديني” يبرّر سياسات عباس داخلياً وخارجياً، لا سيما في المحافل الإسلامية.

يحتمي بالغطاء الرئاسي ضد أي مساءلة أو انتقاد، ما جعله فوق القانون عملياً.

عباس بدوره وجد في الهباش أداة مثالية لشرعنة سياساته، مستفيداً من خطاب ديني يُلبِس التنسيق الأمني والتسوية أثواب “الحكمة الشرعية” و”المصلحة الوطنية”.

الهباش كرمز للانحدار المؤسسي

قضية الهباش ليست قضية فردية معزولة، بل تمثّل تجسيداً صارخاً لطبيعة السلطة الفلسطينية بعد أوسلو:

تحوّل الوظائف الرسمية إلى أدوات للاستزلام الشخصي.

استخدام الدين كغطاء لتسويق مشاريع سياسية مرفوضة شعبياً.

التماهي مع منظومة الاحتلال عبر سياسة “التنسيق الأمني المقدّس”.

إفلات الفاسدين من المساءلة بفضل الحماية السياسية.

في ذكرى النكبة الفلسطينية، تتجلّى مفارقة الهباش بوصفه رمزاً للنكبة السياسية المعاصرة: رجلٌ تاجر بالدين، واستثمر موقعه لخدمة سلطة استمرأت الخضوع وشيطنة المقاومة. وبينما يتحدّث عن “الاستقلال الوطني”، يغضّ الطرف عن الاحتلال، بل يتماهى معه ضمن منظومة التنسيق الأمني التي أفرغت السلطة من مضمونها الوطني.

الهباش ليس سوى واجهة لسلطة فقدت شرعيتها، وتحولت إلى إدارة ذاتية تحت الاحتلال، تسوّق الوهم وتمنع أي مقاومة فعلية. بفضحه وفضح أمثاله، يمكن إعادة الاعتبار لمعنى الكفاح الفلسطيني الحقيقي، البعيد عن زيف “الواقعية السياسية” التي يتبناها الفاسدون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى