كندا تفتح تحقيقًا رسميًا في جرائم حرب إسرائيلية خلال عدوان غزة

أطلقت السلطات الكندية تحقيقًا جنائيًا رسميًا في مزاعم بارتكاب جرائم حرب من قبل جنود إسرائيليين خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، في خطوة غير مسبوقة تمثل تحولًا ملحوظًا في تعاطي كندا مع الانتهاكات المرتكبة في الصراعات الدولية.
وكشفت صحيفة “تورونتو ستار” أن التحقيق تقوده الشرطة الملكية الكندية منذ أوائل عام 2024، ويستهدف تحديدًا مواطنين كنديين شاركوا في العمليات العسكرية الإسرائيلية.
ورغم تحفظ الأجهزة الرسمية على تفاصيل التحقيق، أكدت الصحيفة أن التحقيق جارٍ بالفعل ضمن برنامج خاص لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، في إطار تعاون مشترك بين الشرطة، ووزارة العدل، ووكالة خدمات الحدود، ووزارة الهجرة واللجوء الكندية.
ويأتي هذا التحرّك على خلفية ضغوط متصاعدة من منظمات حقوقية كندية ودولية طالبت بإجراءات قانونية بحق من يشتبه بارتكابهم جرائم في غزة، خاصة في ظل تزايد أعداد الضحايا المدنيين الفلسطينيين.
مستهدفون يحملون الجنسيتين الكندية والإسرائيلية
وأفادت مصادر إعلامية إسرائيلية، من بينها موقع “واينت”، أن التحقيق الكندي يطال إسرائيليين من مزدوجي الجنسية خدموا في جيش الاحتلال، إما ضمن وحدات نظامية أو احتياطية، وشاركوا في العدوان على غزة منذ أكتوبر 2023.
وأشارت إلى احتمال تقديم لائحة اتهام ضد بعضهم داخل كندا، في حال توفرت أدلة كافية. كما أن السلطات الكندية تدرس التعاون مع جهات دولية لجمع الأدلة واستجواب شهود.
ويُنظر إلى هذا التحقيق باعتباره الأول من نوعه الذي ينطلق بمبادرة حكومية رسمية في كندا وليس بناء على شكاوى فردية، وهو ما أثار قلقًا واسعًا داخل الجالية اليهودية في البلاد، التي ترى في ذلك تصعيدًا قانونيًا وسياسيًا ضد دولة الاحتلال.
ازدواجية في التعامل؟
على الرغم من أهمية الخطوة، لفتت الصحيفة الكندية إلى أن السلطات لم تُعلن التحقيق بشكل رسمي حتى الآن، ولم تنشئ منصة إلكترونية مخصصة له، خلافًا لما فعلته في تحقيقات جرائم الحرب في أوكرانيا، حيث أنشأت الحكومة الكندية حينها قنوات إبلاغ واسعة لجمع إفادات اللاجئين الأوكرانيين.
وعلّلت الشرطة هذا التباين بأن كل تحقيق يُصمم وفق خصوصيته، مشيرة إلى أن التحقيق المرتبط بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يتطلب منهجية مختلفة.
لكن وزارة العدل الكندية أوضحت في بيان لاحق أن “فتح تحقيق هيكلي يتم عندما تتوفر مؤشرات موثوقة على وقوع جرائم ضد الإنسانية، ويكون هناك مجتمع مهاجر داخل كندا يُحتمل أن يحمل معلومات أو أدلة ذات صلة”.
وتشير هذه الصيغة إلى أن حجم الجالية المتأثرة بالعدوان الإسرائيلي، سواء من الفلسطينيين أو الإسرائيليين، لعب دورًا في إطلاق التحقيق.
قلق متصاعد بين الإسرائيليين في كندا
وعبرت أوساط من الجالية الإسرائيلية في كندا عن خشيتها من ملاحقات قانونية قد تطاول أفرادًا خدموا في الجيش الإسرائيلي، خاصة بعد أن عاد كثيرون منهم إلى كندا عقب انتهاء فترات خدمتهم في غزة.
ونقل موقع “واينت” عن أحد الإسرائيليين المقيمين في تورنتو قوله في مجموعة مغلقة عبر تطبيق “واتساب”: “هناك حديث جدي عن لوائح اتهام واعتقالات محتملة. يجب أن نستعد قانونيًا فورًا”. وأضاف آخر: “الوضع يُجبرنا على إعادة التفكير في إرسال أبنائنا للخدمة العسكرية في (إسرائيل)”.
وتعكس هذه التصريحات حجم الارتباك والقلق داخل أوساط الجالية، خصوصًا بعد أن أصبحت كندا واحدة من الدول الغربية القليلة التي تفكر في ملاحقة مواطنيها المتورطين في جرائم حرب خارج أراضيها.
تحذيرات دولية لإسرائيل
يتزامن التحقيق مع تصاعد الضغوط الدولية على حكومة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل تزايد أعداد الضحايا في غزة، وخصوصًا من الأطفال والنساء.
وكان قادة كل من كندا، فرنسا، وبريطانيا، قد وجّهوا تحذيرًا مشتركًا الشهر الماضي إلى دولة الاحتلال، طالبوا فيه بوقف الحرب فورًا والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، ملوّحين بإجراءات دبلوماسية وقانونية.
وقال البيان الثلاثي الذي حمل توقيع رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، إنهم “لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء الأفعال المشينة المرتكبة في غزة”، مؤكدين استعدادهم لدعم الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حل الدولتين.