الإمارات مع الاحتلال الإسرائيلي قولاً وفعلاً

في ذروة العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، اختارت دولة الإمارات الاصطفاف العلني مع دولة الاحتلال الإسرائيلي قولاً وفعلاً من خلال دعم مباشر لرؤية الاحتلال في غزة وتسويق لأبو ظبي كممر آمن للإسرائيليين.
فقد خرج وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، ليطرح رؤية تتماهى تمامًا مع الخطاب الإسرائيلي الرسمي بشأن مستقبل قطاع غزة. إذ أكد أن “القطاع بحاجة إلى الهدوء، وأننا نحتاج إلى سلطة، ليست حماس، تسيطر عليه”.
تقاطع كامل مع الأجندة الإسرائيلية
تصريحات عبد الله بن زايد لا يمكن قراءتها بمعزل عن السياق السياسي والعسكري القائم. فهي تأتي في لحظة تصعّد فيها إسرائيل جرائمها بحق المدنيين في القطاع، وتواجه اتهامات دولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية، كما جاء في مداولات محكمة العدل الدولية.
في هذه اللحظة بالذات، يعلن وزير خارجية الإمارات أن المشكلة ليست في المجازر، بل في من يحكم غزة، ليؤكد أن أبو ظبي لا ترى في القصف الإسرائيلي العشوائي، والتجويع، والحرمان من المياه، والانقطاع الكامل للكهرباء والرعاية الطبية، ما يستدعي الإدانة أو حتى التوقف.
بل إن الوزير الإماراتي يؤيد ضمناً هدف دولة الاحتلال المعلن: استئصال المقاومة الفلسطينية من غزة واستبدالها بسلطة بديلة، تكون مقبولة من دولة الاحتلال والدول الغربية.
وهنا يتجاوز الخطاب الإماراتي خانة “الحياد” أو “الوساطة” المزعومة، إلى تموضع سياسي واضح إلى جانب الاحتلال، حتى في ملف يعد من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
استعداد للعب دور الوكيل
الأخطر أن الإمارات لم تكتفِ بتأييد الرواية الإسرائيلية، بل عرضت — ضمنيًا — القيام بدور الوكيل السياسي أو الإداري في غزة بعد الحرب، إذ صرح عبد الله بن زايد أن بلاده “مستعدة لتقديم الدعم أو المقترحات إذا لزم الأمر”.
وهذا التصريح يعيد إلى الأذهان مشاريع “إدارة عربية” لغزة كانت تطرحها دولة الاحتلال مرارًا، منذ خطة “ما بعد حماس”، والتي تتضمن إنشاء سلطة أمنية أو مدنية تدير القطاع بمعزل عن المقاومة الفلسطينية، وتكون تحت إشراف دولي أو إقليمي.
وإذا كانت بعض الدول العربية تنأى بنفسها عن هذه الخطط علنًا، فإن الإمارات باتت تظهر استعدادًا حقيقيًا للمشاركة في ترتيبات ما بعد الحرب، حتى وإن كانت قائمة على تطهير غزة من قوى المقاومة وتجريدها من إرادتها السياسية.
التطبيع العابر للدم
في الوقت الذي تغلق فيه شركات طيران أوروبية وعربية خطوطها مع دولة الاحتلال بسبب تدهور الوضع الأمني والإنساني، أطلقت شركة الاتحاد الإماراتية حملة دعائية تستهدف الجمهور الإسرائيلي مباشرة، تحت عنوان: “سافروا إلى أكثر من مئة وجهة عبر أبو ظبي”.
هذا التوقيت ليس تفصيلًا عابرًا. فهو يأتي بينما تشهد إسرائيل حالة شبه عزلة جوية، وتواجه تصاعدًا في المقاطعة الشعبية والسياسية حول العالم، ويصطف ملايين الناشطين عبر الجامعات الغربية ضد جرائمها.
في هذه اللحظة، تأتي أبو ظبي لتقول للإسرائيليين: “نحن هنا، أبوابنا مفتوحة، ومطاراتنا في خدمتكم”.
هذا السلوك لا يعكس فقط علاقة تطبيع اقتصادي وسياحي، بل يؤكد أن الإمارات تسعى لأن تكون نقطة ارتكاز إسرائيلية إقليمية في لحظة يزداد فيها الانكشاف السياسي والأخلاقي للاحتلال.
فبدلًا من تعليق التعاون أو الضغط السياسي، تختار أبو ظبي توسيع الشراكة وتقديم نفسها كملاذ آمن للإسرائيليين.
غياب فلسطين… وتغيب الموقف العربي
في كل ما صدر عن القيادة الإماراتية، غياب تام لأي حديث عن الحقوق الفلسطينية، أو إنهاء الاحتلال، أو وقف المجازر. لا ذكر للأطفال الذين يُدفنون تحت الأنقاض، ولا للمدارس التي تُقصف، ولا لوقف النار كأولوية إنسانية.
بل إن الوزير الإماراتي يختزل المأساة كلها في جملة: “نحن بحاجة إلى سلطة ليست حماس”. بهذه العبارة، تنضم الإمارات إلى معسكر إقليمي ودولي يرى في غزة مجرد ملف إداري يجب “ضبطه”، لا قضية تحرر وكرامة.
ويُراد لهذا الملف أن يُغلق عبر استئصال القوى الشعبية المقاومة وتثبيت “نموذج سياسي” ترضى عنه دولة الاحتلال وواشنطن.
من التطبيع إلى الاصطفاف
ليست هذه التطورات مفاجئة في سياق العلاقة الإماراتية الإسرائيلية المتصاعدة منذ 2020. فقد تجاوزت الإمارات مرحلة “السلام الدبلوماسي”، إلى شراكة استخباراتية وأمنية واقتصادية شاملة، وها هي اليوم تُظهر استعدادها للعب أدوار ميدانية في غزة والضفة والقدس.
لكن ما يجري حاليًا هو انتقال الإمارات من موقع الحليف الصامت إلى موقع الشريك الفعّال في هندسة المستقبل السياسي الفلسطيني. مستقبل لا مكان فيه لقوى المقاومة، ولا لحق تقرير المصير، بل تُرسم معالمه من غرف الأجهزة الأمنية وشركات التطوير العقاري والتطبيع الاقتصادي.
ويؤكد مراقبون أن اصطفاف الإمارات العلني مع دولة الاحتلال في لحظة ترتكب فيها أبشع المجازر بحق غزة، ليس مجرد انحراف في السياسات الخارجية، بل موقف استراتيجي يؤكد أن أبو ظبي باتت ترى في القضية الفلسطينية عبئًا يجب التخلص منه، لا واجبًا قوميًا أو أخلاقيًا.
ومع كل تصريح جديد، وكل حملة جديدة تستهدف الإسرائيليين، تتعمق القناعة بأن الإمارات لم تطبع فقط، بل تبنت المشروع الإسرائيلي في جوهره: تحويل القضية الفلسطينية من صراع تحرر إلى ملف إنساني وأمني يُدار من الخارج.