تحليلات واراء

رندا جميل: من صحفية “حرة” إلى بوق ضمن ماكينة التحريض الإسرائيلي

في زمن تتعرض فيه غزة لأبشع جرائم الإبادة والتجويع، ومع تصاعد الاستهداف المنهجي للصحفيين والمستشفيات ومخازن الغذاء، يظهر من داخل الصف الفلسطيني من اختار الاصطفاف مع السردية الصهيونية علنًا، بل ويشارك في ترويجها، لا كناقد، بل كأداة دعاية.

رندا جميل، التي تقدم نفسها على أنها “صحفية حرة” من خان يونس جنوب قطاع غزة، تحوّلت في خضم الحرب إلى واحدة من أبرز الأصوات التي تنسجم منشوراتها مع خطاب التحريض الإسرائيلي على المقاومة والصحفيين وسكان غزة المحاصرين.

الأخطر من ذلك، أن بعض منشوراتها يتم إعادة نشرها أو تتقاطع بصريًا ولغويًا مع الدعاية الرسمية الإسرائيلية، كما هو موضح في إحدى الصور التي أعادت صياغتها المنشورة من صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية”.

التماهي مع الرواية الإسرائيلية

في منشور لها، سخرت رندا جميل من مشهد أطفال غزّيين يمدّون أواني الطعام وهم جياع، لتصف المشهد وكأنه مسرحية، وتقلد أوامر مخرج وهمي للمصور بقولها: “خود لقطة زبط الزاوية، خلي الولاد يصرخوا أكثر، نترش أكل استنا بس يصيروا يبكوا، يلااااا تمام بلا نصور”.

هذا النص، الذي صيغ بطريقة هجائية تشكك في صدقية الصورة وتتهم المصور وأهل غزة بالمبالغة أو الفبركة، ليس بريئًا.

فهو يردد، بحرفية شبه مطابقة، المزاعم التي تنشرها صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية”، والتي قالت في منشور مشابه أن معاناة أطفال غزة “تمثيل”، وأن ما يجري هو “إخراج” وليس حقيقة.

الفارق الوحيد أن المنشور الإسرائيلي تلاعب بصياغة الصورة بالكاريكاتير، بينما رندا أعادت استخدام الصورة الواقعية نفسها وأضفت إليها تعليقًا ساخرًا بلهجة شعبية.

وليس من باب الصدفة أن تتقاطع منشوراتها بهذا الشكل مع الدعاية الإسرائيلية، بل يبدو ذلك كمؤشر على موقعها ضمن شبكة موازية من “الناشطين الإعلاميين” العرب الذين يُعاد تدوير خطابهم أو يتم تلميعه عبر منصات رسمية إسرائيلية.

التقاطع مع ماكينة أفخاي أدرعي

من المعروف أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفخاي أدرعي، يقود حملة مكثفة لبناء شبكة من الأصوات العربية التي تسوّق الرواية الإسرائيلية في الفضاء الرقمي.

وشبكة أفيخاي لا تعتمد فقط على ناطقين عبريين أو نشطاء عرب، بل بدأت تشمل من يقدّمون أنفسهم على أنهم صحفيون مستقلون أو ناقدون للوضع الفلسطيني الداخلي.

رندا جميل تمثل نموذجًا صارخًا لذلك. إذ إن توظيف خطابها المتكرر لتشويه المقاومة، وتسخيف معاناة الغزيين، والتهكم من الصحفيين الميدانيين، يصبّ مباشرة في أهداف الدعاية الصهيونية: شيطنة المقاومة، وإنكار المجازر، وتحويل الضحية إلى جلاد.

تحريض على الصحفيين وتشكيك بالصور

في منشورها، لا تكتفي جميل بالسخرية من الأطفال الجياع، بل توجه ضمناً تحريضًا على الصحفيين الذين يوثقون المجاعة: ” جبتلكم صور بتجنن حتكيّف عليها الجزيرة وقيادة الحركة في قطر”.

هذا الاتهام الضمني بأن الصحفيين المحليين يصوّرون بإيعاز من “الجزيرة” أو قيادة المقاومة هو ذات المنطق الذي يستخدمه الاحتلال حين يبرر قصفه المتعمد لمقار الصحفيين بوجود “غرف عمليات لحماس” فيها. إنها إعادة إنتاج محلية للذرائع الإسرائيلية الكاذبة التي أدت إلى مقتل أكثر من 230 صحفيًا منذ أكتوبر 2023.

وهذا النوع من الخطاب يشكل خطرًا مزدوجًا: من جهة يُضعف الجبهة الإعلامية الفلسطينية، ويقوّض صدقية الصحفيين، ومن جهة أخرى، يُستخدم كتبرير إضافي لاستهدافهم المادي من قبل الجيش الإسرائيلي.

بين الارتزاق والتورط الواعي

تبقى الأسئلة مفتوحة حول دوافع رندا جميل: هل هي صحفية ساذجة انجرفت مع خطاب معادٍ للمقاومة؟ أم أنها تعمل ضمن أجندة مدروسة كمجندة رقمية في شبكة أفيخاي؟.

الخطاب المتكرر، انسجام منشوراتها مع الروايات الإسرائيلية، وسلوكها التحريضي ضد أبناء قطاعها المحاصر، كل ذلك يطرح فرضية التورط الواعي.

ومن اللافت أن هذه الأنماط لا تقتصر على رندا جميل وحدها، بل تشمل عددًا محدودًا من الأصوات التي باتت تتقن “لعبة الإخراج المعاكس” التي تتهم ضحايا المجازر بـ”التمثيل”.

الرد الأخلاقي والإعلامي المطلوب

من المهم أن يُواجَه هذا النمط من الخطاب بالتوثيق، والمساءلة، والتعرية. فسكوت الصحفيين الآخرين، أو تجاهل هذه المنشورات على أنها “تفاهات لا تستحق الرد”، يترك المجال مفتوحًا لتكرار النمط.

فالإعلام الفلسطيني المقاوم بحاجة إلى أن يفضح هذه الاختراقات ويؤسس لمعايير مهنية واضحة تفرق بين “الناقد” و”المحرض”، بين “الصحفي المستقل” و”البوق الناطق باسم القاتل”.

وإن تحوّل بعض الأصوات الداخلية إلى أدوات لتبييض جرائم الإبادة في غزة هو جريمة أخلاقية لا تقلّ خطرًا عن القصف نفسه، لأنها تنفذ في الوعي، وتضعف ثقة الناس بشهادات أهلهم، وتخدم بشكل مباشر ماكينة الاحتلال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى