شبكة “أفيخاي” تسارع إلى تبرير مجزرة الاحتلال في مستشفى ناصر

لم تمضِ دقائق على المجزرة المروّعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في مستشفى ناصر الحكومي بمدينة خان يونس جنوب قطاع غزة اليوم الاثنين، حتى سارعت شبكة “أفيخاي” التحريضية إلى تبرير الجريمة والتغطية عليها، في مشهد بات متكرراً منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على القطاع قبل أكثر من 22 شهراً.
وأسفرت مجزرة الاحتلال في مستشفى ناصر عن استشهاد ما يزيد عن 16 مواطناً فلسطينياً، بينهم أربعة صحفيين وعدد من عمال الإنقاذ، في هجوم وُصف بأنه اعتداء صارخ على منشأة مدنية محمية بالقانون الدولي.
وسريعا بادر حساب ال”منخل” أحد أبرز الحسابات المرتبطة بشبكة أفيخاي، إلى نشر رسائل تحريضية على مجموعات “واتس آب” وحسابات التواصل الاجتماعي، زاعماً أن “ثكنة ناصر العسكرية المتنكرة باسم مستشفى تحت القصف”.
هذه الصيغة ليست جديدة؛ فقد دأبت الشبكة على تعميم سردية إسرائيلية موحّدة، تزعم أن المستشفيات والمراكز الطبية في غزة تتحول إلى “مقار عسكرية” لحركة المقاومة، وذلك بهدف شرعنة القصف أمام الرأي العام المحلي والدولي.
لكن اللافت أن هذه الادعاءات لم تُرفق بأي أدلة ملموسة، سواء عبر صور أو وثائق مستقلة، فيما أكدت منظمات دولية كالأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية أن مستشفى ناصر كان منشأة طبية نشطة تستقبل الجرحى والمرضى، وتوفر ملاذاً للنازحين، وهو ما يجعل استهدافه انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني.
شبكة “أفيخاي” ويكيبيديا
شبكة “أفيخاي” – التي باتت تُعرف بهذا الاسم نسبة إلى المتحدث باسم جيش الاحتلال للإعلام العربي أفيخاي أدرعي – تشكلت من مجموعة حسابات وأشخاص وظيفتهم الترويج للسردية الإسرائيلية في الفضاء الرقمي العربي.
ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، ركزت هذه الشبكة على تبرير الجرائم ضد المدنيين من خلال خطاب مزدوج يجمع بين التحريض على المقاومة الفلسطينية وتشويه صورة المؤسسات المدنية، وعلى رأسها المستشفيات والمدارس.
وقد تحولت هذه الشبكة إلى ماكينة بروباغندا رقمية تواكب كل جريمة إسرائيلية بسيل من المنشورات والتغريدات التي تهدف إلى قلب الرواية، بحيث يصبح الضحايا متهمين والمعتدي في موقع “الدفاع عن النفس”.
استهداف الصحفيين في غزة
المجزرة في مستشفى ناصر اكتسبت بعداً خطيراً لكونها لم تقتصر على المرضى والجرحى، بل طالت أربعة صحفيين كانوا يقومون بواجبهم المهني في توثيق الجريمة، إضافة إلى عدد من عمال الإنقاذ.
وبذلك، حملت المجزرة رسالة مزدوجة: إسكات الصوت الإعلامي الذي يفضح الاحتلال، وكسر إرادة الطواقم الطبية التي تحاول إنقاذ الأرواح وسط ظروف كارثية.
ومع ذلك، لم تتردد شبكة “أفيخاي” في الترويج للرواية ذاتها التي لطالما استخدمها الاحتلال الإسرائيلي: المستشفى ليس سوى “غرفة عمليات عسكرية”.
وذلك في خطاب يضرب عرض الحائط بالوقائع الميدانية، ويضع الاحتلال في مواجهة مباشرة مع القانون الدولي الذي ينص بوضوح على حماية المرافق الطبية والعاملين فيها.
ولا يختلف خطاب شبكة “أفيخاي” كثيراً عن الرواية الرسمية الإسرائيلية التي استُخدمت سابقاً في تبرير قصف مستشفيات الشفاء والقدس والإندونيسي وغيرها. الجديد هو المنصات الرقمية التي أصبحت ساحة أساسية لتوجيه الرأي العام العربي وتفكيك التضامن الشعبي مع غزة.
فالرسائل الموجهة عبر “واتس آب”، والتغريدات بالعربية، والمقاطع المصورة، كلها أدوات تُستغل لإعادة إنتاج الأكاذيب، وإشغال المتابعين بنقاشات حول “الاستخدام العسكري” للمستشفيات، بدلاً من التركيز على جوهر الحقيقة: أن الاحتلال يقصف منشآت طبية ويقتل مدنيين بلا هوادة.
ويكشف تحليل خطاب الشبكة عن استراتيجية مدروسة: ربط المستشفيات والمرافق المدنية بالمقاومة، وبالتالي تصوير كل قصف على أنه “ضرورة أمنية”.
ويرى مراقبون أن الهدف من ذلك ليس فقط إقناع الجمهور الإسرائيلي أو الغربي، بل بالأساس تفتيت التضامن العربي مع الضحايا، وزرع الشكوك حول مصداقية الإعلام الفلسطيني.
بهذه الطريقة، تتحول منصات التواصل إلى ساحة مواجهة حقيقية، حيث تُخاض حرب الروايات جنباً إلى جنب مع الحرب العسكرية. وبهذا المعنى، فإن شبكة “أفيخاي” تمثل الامتداد الرقمي للآلة العسكرية الإسرائيلية، وتعمل على تكريس “شرعنة القتل” كأمر اعتيادي.