تحليلات واراء

قراءة في طلب منظمة حقوقية بريطانية شطب حماس من قائمة الإرهاب

تقدّمت منظمة حقوقية بريطانية بارزة بطلب قانوني ثانٍ إلى الحكومة البريطانية، تطالب فيه بشطب حركة حماس من قائمة المنظمات الإرهابية، في خطوة تعكس تصاعد الأصوات المطالبة بإعادة تقييم سياسات الحظر التي تم تبنيها في السنوات الأخيرة في ظل ما يوصف بـ”التحيز السياسي” والتأثيرات السلبية على الحريات العامة في بريطانيا.

وأعلنت منظمة Cage International، أنها أوكلت فريقًا قانونيًا لتقديم طعن رسمي ضد القرار الذي اتخذته وزيرة الداخلية السابقة بريتي باتيل في نوفمبر 2021، والذي صنّف حركة حماس بجناحيها السياسي والعسكري منظمة إرهابية محظورة في بريطانيا.

توسعة الحظر: خلفية القرار

يعود تصنيف الجناح العسكري لحماس، كتائب القسام، كمنظمة إرهابية إلى أكثر من عشرين عامًا، غير أن الحكومة البريطانية آنذاك كانت تفصل بين الجناحين السياسي والعسكري للحركة.

لكن مع وصول باتيل إلى وزارة الداخلية، تم توسيع نطاق الحظر ليشمل الحركة بأكملها، بزعم أن “التمييز بين الجناحين لم يعد ممكنًا”.

وترافق القرار مع حملة رسمية متشددة ضد أي مظاهر دعم أو تعاطف مع الحركة، إذ اعتُبر – بموجب قانون الإرهاب البريطاني – أن الانتماء لحماس، أو تنظيم نشاطات مؤيدة لها، أو حتى إظهار رموزها، يشكل جريمة جنائية.

وقد نُفذ هذا التصنيف في سياق سياسي وإعلامي داخلي وخارجي ضاغط، قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في أكتوبر 2023، وهي الحرب التي أعادت ملف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى واجهة النقاشات الدولية.

دعوى Cage: ضحايا الحظر وتداعياته

قالت Cage International، وهي منظمة تُعنى بالدفاع عن الأفراد المتضررين من قوانين مكافحة الإرهاب، إن الطعن الذي قدمته يستند إلى المادة الرابعة من قانون الإرهاب البريطاني، التي تتيح لأي طرف متضرر تقديم طلب لشطب منظمة من قائمة الحظر.

وأضافت المنظمة أنها أرفقت بطعنها الجديد 26 دراسة حالة توثق الضرر الذي لحق بعدد من المسلمين البريطانيين نتيجة هذا التصنيف، ومن بينهم طلاب جامعات وأكاديميون وموظفون تم التحقيق معهم أو معاقبتهم بسبب مواقف عبّروا عنها أو مواد قاموا بمشاركتها تتعلق بحماس.

وأبرزت Cage أن بعض المتضررين واجهوا تهديدات مباشرة بسحب تأشيراتهم أو فصلهم من العمل أو اتخاذ إجراءات تأديبية مطولة ضدهم، دون أي إدانة قانونية، وهو ما اعتبرته المنظمة “استغلالًا تشريعيًا لقمع حرية التعبير والنشاط السياسي المشروع”.

وفي تصريح له، قال محمد ربّاني، المدير العام للمنظمة: “إلغاء تصنيف حماس لا يتعلق فقط بتصحيح مسار سياسي ودبلوماسي، بل أيضًا بمعالجة تطبيق تمييزي واستغلال للسلطة”.

وأضاف أن “الحالات التي قدمناها تُظهر نمطًا متكررًا من الاعتقال والمضايقة دون أن تفضي إلى إدانات، مما ترك آثارًا نفسية وقانونية مستديمة على المتضررين”.

واعتبر ربّاني أن استمرار الحظر المفروض على حماس بهذا الشكل “ينتهك الحريات الأساسية التي طالما كفلتها القوانين البريطانية”، ويؤسس “لبيئة بوليسية ضد النشاط السياسي للفلسطينيين ومناصريهم”.

طعن قانوني منفصل من حماس

اللافت أن طعن Cage يأتي بعد أشهر فقط من تقديم حركة حماس نفسها لطلب قانوني مماثل لدى وزارة الداخلية البريطانية لشطب اسمها من القائمة السوداء.

وكشف موقع Middle East Eye أن موسى أبو مرزوق، رئيس مكتب العلاقات الدولية في الحركة، أوكل فريقًا قانونيًا يتألف من المحامي فهد أنصاري (مدير شركة Riverway Law) والمحاميين دانيال غرترز وفرانك ماغينيس لتولي الملف.

وبحسب المستندات التي اطّلع عليها الموقع، فقد قدّم الفريق مذكرة من 106 صفحات، زاعمين أن قرار بريتي باتيل في عام 2021 كان “مسيّسًا بامتياز”، وأنه “سعى لتحقيق أهداف دعائية لحكومة محافظة كانت تمر بأزمة سياسية داخلية”.

وشدد المحامون على أن حماس لم تدفع أي أتعاب أو تعويضات للفريق القانوني أو للخبراء الذين قدموا إفادات لصالح الطعن، وذلك التزامًا بالقوانين البريطانية التي تجرّم تلقي أموال من جهات مصنفة كإرهابية.

مسار القرار والاحتمالات القادمة

بموجب القانون البريطاني، تملك وزيرة الداخلية الحالية، إيفيت كوبر، 90 يومًا للرد على طلبي حماس وCage. وفي حال رفض الطلب، يحق للطرفين التوجه إلى “لجنة الطعون الخاصة بالمنظمات المحظورة” لاستئناف القرار من خلال مسار المراجعة القضائية.

ويمنح القانون البريطاني وزير الداخلية سلطة تقديرية واسعة لإدراج أو شطب أي جماعة من قائمة الإرهاب، شريطة وجود “أدلة استخباراتية أو أمنية” تبرر هذا التصنيف.

لكن الطعون المقدمة حاليًا تضع هذه السلطة تحت اختبار قانوني وسياسي كبير، خصوصًا في ظل الانتقادات الواسعة لتوظيف قوانين الإرهاب لقمع النشاطات السياسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية.

أبعاد سياسية ودبلوماسية

يندرج هذا الطعن ضمن موجة أوسع من إعادة النظر في القوانين المرتبطة بمكافحة الإرهاب في بريطانيا، وسط اتهامات للحكومة بتبني سياسات مزدوجة المعايير، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمواقف المناصرة لفلسطين.

ويرى مراقبون أن أي تغيير في تصنيف حماس – سواء بالقبول أو الرفض – سيكون له تداعيات على علاقة بريطانيا بالقضية الفلسطينية، كما قد يؤثر على العلاقات مع الحلفاء في أوروبا والولايات المتحدة، الذين يصنفون الحركة كمنظمة إرهابية.

ومع تزايد الأصوات الحقوقية الرافضة لهذا الحظر، تبقى الكرة الآن في ملعب الحكومة البريطانية، التي تواجه اختبارًا جادًا بين التزاماتها القانونية واعتباراتها السياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى