
بينما لا تزال دماء أطفال غزة لم تجف تحت أنقاض المنازل المدمرة، وبينما تتكدس جثث الشهداء في كل زاوية من القطاع المحاصر، تستعد العاصمة الأردنية عمّان لاستضافة حفل غنائي صاخب تحييه الفنانة المصرية روبي في 30 مايو الجاري، في مشهد يعكس انفصالًا فجًّا عن واقع المجازر التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ ما يقارب 19 شهرًا متواصلة.
ونشرت روبي إعلان الحفل عبر حسابها الرسمي على “إنستغرام”، معلنة سعادتها بالظهور الأول لها في الأردن قائلة: “جمهور الأردن جاهزين، مبسوطة إني هكون معاكم لأول مرة في الأردن يوم 30 مايو في نادي ديونز عمان عشان نولعها”.
أطفال غزة يُرحَّلون جرحى
في المقابل، لم تمر سوى أيام على قرار مفاجئ ومهين اتخذته السلطات الأردنية بطرد 25 طفلًا جريحًا من قطاع غزة من مستشفيات العاصمة عمّان، رغم عدم اكتمال علاجهم من إصاباتهم البالغة خلال الحرب الإسرائيلية.
الأطفال الذين رافقهم ذووهم، يعانون من بتر في الأطراف، وأمراض سرطانية خطيرة، وإصابات في العيون، وقد تم ترحيلهم دون سابق إنذار.
المجموعة التي تم طردها كانت ضمن أول دفعة وصلت إلى الأردن في 4 مارس الماضي بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الأردنية، في إطار ما قيل حينها إنها “مبادرة إنسانية” تهدف لعلاج الأطفال المصابين من قطاع غزة.
غير أن هذا الالتزام الإنساني لم يصمد طويلًا، وتم إنهاؤه دون تقديم مبررات أو توفير بدائل علاجية للأطفال الذين أُعيدوا إلى الجحيم المحاصر والمجوع والمنكوب.
ولم يتوقف المشهد عند هذا الحد، إذ تعرّضت العائلات المطرودة لمصادرة ممتلكاتهم وهواتفهم الشخصية وأموالهم على حاجز كرم أبو سالم من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، في انتهاك واضح لكرامة الجرحى وحقوقهم الأساسية.
وتتزامن هذه الحادثة مع تصعيد مستمر في المجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث تجاوز عدد الشهداء والجرحى أكثر من 172 ألفًا، معظمهم من النساء والأطفال، وسط تدمير ممنهج للبنية التحتية الصحية، وحرمان السكان من أبسط مقومات الحياة.
وفي الوقت الذي تتفاخر فيه المؤسسات الترفيهية في الأردن بتنظيم الحفلات الفنية الفاخرة، لم يُسجَّل أي موقف رسمي من السلطات الأردنية يوضح أسباب طرد الأطفال الجرحى أو يلتزم بعودة استقبالهم.
كما لم تبادر أي جهة إلى تحمل مسؤولية انتهاك التزامات المملكة المعلنة سابقًا باستضافة ألفي طفل فلسطيني للعلاج، كما جاء في تصريح رسمي أدلى به الملك عبد الله الثاني خلال لقائه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في فبراير الماضي.
ويقدّم المشهد الأردني خلال هذه الأيام صورة صارخة للازدواجية الرسمية، التي تُقصي الضحايا وتستقبل النجوم، وتغلق أبواب المشافي في وجه أطفال مبتوري الأطراف، وتفتح منصات الغناء في وجه مهرجانات لا تحتملها ذاكرة الدم والألم القادمة من غزة.