بين التضحية والامتيازات: فارق صارخ بين قيادات المقاومة ونظرائهم في السلطة

تشكّل التضحية معيارًا أساسيًا للحكم على صدقية القادة. وفي الحالة الفلسطينية، يظهر الفارق صارخًا بين قيادات حركة المقاومة الإسلامية “حماس” التي قدّمت قادتها وأبناءها شهداء في سبيل القضية، ونظرائهم في السلطة الفلسطينية التي ارتبط اسمها بالامتيازات والفساد والابتعاد عن روح النضال.
والمشهدان المتناقضان ينعكسان على ثقة الشارع: من جهة قيادة تقاتل وتدفع ثمنًا دمويًا شخصيًا، ومن جهة أخرى قيادة غارقة في الامتيازات والترف، بعيدة عن معاناة المخيمات واللاجئين.
وبهذا الصدد يبرز أن التجربة الفلسطينية زاخرة بنماذج قيادية من حماس قدّمت أبناءها في ساحات المواجهة.
إذ يتجلّى الفارق بين قيادات المقاومة الفلسطينية وقيادات السلطة في أوضح صوره عند النظر إلى أبنائهم: هنا أبناء قُدّموا شهداء في ساحات المواجهة، وهناك أبناء يعيشون حياة البذخ في الفلل والجامعات الغربية والفنادق الفاخرة.
وتكشف هذه المفارقة العميقة أي نوع من القيادات يمثل الشعب الفلسطيني فعلًا، وأي منها تحوّل إلى عبء على قضيته.
الشهيد إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، قدّم أبناءه وأحفاده شهداء خلال حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة.
وعقب استشهاد ثلاثة من أبنائه وأحفاده في قصف إسرائيلي على غزة عام 2024، صرّح هنية: “هؤلاء أبنائي كما هم أبناء كل فلسطين، ودماؤهم وقود معركة الحرية، ولن نتزحزح عن درب المقاومة.” هذا الخطاب عزّز صورة القائد الذي يعيش ذات المعاناة ويدفع من لحم أبنائه، لا من دماء الآخرين فقط.
خليل الحية، رئيس المكتب السياسي للحركة في غزة، استشهد ثلاثة من أبنائه في العدوان الإسرائيلي المتكرر، أخرهم نجله همام في القصف الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة.
وبعد استشهاد نجله عام 2008، قال الحية: “أبناؤنا ليسوا أعز من أبناء شعبنا، ونحن جزء من هذه المسيرة، ولن نتراجع عن خيار المقاومة مهما بلغت التضحيات.” هذه الكلمات لم تكن مجرد خطاب سياسي، بل تعبيرًا عن إدراك حقيقي أن القائد والمواطن في الخندق ذاته.
وقد جعلت تضحيات قيادات المقاومة من خطابهم أكثر تأثيرًا في الشارع الفلسطيني، إذ يرى المواطنون الفلسطينيون أن هذه القيادات لا تدعو للتضحية من أبراج عاجية، بل تعيش ذات الألم والفقد.


السلطة الفلسطينية: الامتيازات مقابل الدم
على الضفة الأخرى، تكشف حياة أبناء مسؤولي السلطة صورة مختلفة تمامًا، حيث الأبناء يحظون بامتيازات تجارية واقتصادية وفي التعيينات والعلاوات ويتعلمون في أشهر الجامعات الغربية.
محمود عباس: نجلاه ياسر وطارق يقودان شركات اقتصادية ضخمة (منها شركات اتصالات وتجارة كبرى) بعيدًا عن أي ارتباط ميداني بمعاناة الشعب. ترافق ذلك مع انتقادات شعبية واسعة بأن “أبناء الرئيس يعيشون في عالم آخر بينما المواطنون يُقتلون يوميًا”.
مثلا يشغل طارق أصغر أبناء الرئيس الثلاثة عدة مناصب تجارية واقتصادية بارزة علما أنه تلقى تعليمه في الخارج، وحصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة إيسترن واشنطن، وله زيجتان فاشلتان.
حسين الشيخ: نائب محمود عباس وأحد أبرز أقطاب السلطة وحركة فتح، يواجه انتقادات بسبب نمط حياة أبنائه الذين يديرون أعمالًا تجارية في الضفة والخارج، ويُشاهدون في حفلات ومناسبات اجتماعية بعيدة عن أجواء النضال أو التضحية.
ماجد فرج: رئيس جهاز المخابرات العامة السابق والمقرب بشدة من عباس، عُرف عنه توفير امتيازات كبيرة لعائلته. أبناؤه يدرسون ويعيشون في بيئة مريحة وآمنة، بينما أبناء المخيمات يواجهون الاعتقالات والقتل يوميًا.
الأمر ذاته ينسحب على أبناء ماجد فرج، رئيس جهاز المخابرات العامة السابق والمقرب من عباس، والذين يعيشون في امتيازات خاصة، ويتنقلون بين فنادق خمس نجوم أو حفلات رقص وخمارات في رام الله.
مفارقة الشرعية الشعبية
تنعكس هذه المفارقة مباشرة على الشرعية الشعبية. فبينما تنال قيادات المقاومة تعاطفًا واسعًا نتيجة لصدق تجربتها ومعاناتها المشتركة، تغرق قيادات السلطة في حالة عزلة وفقدان للمصداقية.
فالشعب الفلسطيني لا ينظر فقط إلى الخطاب الإعلامي، بل إلى التجربة الفعلية. فحين يُستشهد أبناء الحية أو هنية، يشعر المواطن أن القائد يشاطره التضحية. أما حين يرى أبناء المسؤولين في السلطة ينعمون بحياة الترف، فالمحصلة هي شعور عميق بالخذلان.
كما أن الفارق في الممارسة القيادية لا يؤثر فقط على صورة القيادات محليًا، بل على صورة القضية فلسطينيًا ودوليًا.
فقيادة المقاومة تبرهن أن نضالها ليس مجرد شعارات، ما يمنحها وزنًا في المفاوضات أو في الساحة الدولية. أما قيادة السلطة، فإن غياب التضحيات عنها وتحولها إلى نموذج للفساد، يجعلها عاجزة عن إقناع الشارع، فضلًا عن إقناع العالم بعدالة قضيتها.
ويؤكد مراقبون أن قضية صورة القيادة ليست مجرد أفراد أو أبناء مسؤولين، بل تتعلق بطبيعة القيادة الفلسطينية: هل هي قيادة تضحية ونضال؟ أم قيادة فساد وامتيازات؟
فالمقاومة قدّمت نموذجًا يكرّس الشرعية عبر الدماء أما السلطة فكرّست نموذجًا يستند إلى الشرعية الشكلية والامتيازات. وهذا الفارق جعل كثيرين يطرحون سؤالًا وجوديًا: هل يمكن للسلطة أن تبقى ممثلًا للشعب الفلسطيني بينما قيادتها وأبناؤها يعيشون خارج معادلة التضحية؟.