تحليلات واراء

تجار الحروب.. فادي ديب مرتزق يمارس الاحتكار ويروّج الجوع في غزة

في زمن الحروب، تتكشّف وجوه لا تقل خطرًا عن الطائرات والصواريخ. وجوه ترتدي ثياب التجار، وتخفي خلف الأرقام والصفقات مشروعًا موازيًا لتجويع الناس وتفكيك المجتمع من الداخل.

وبينما يقصف الاحتلال الإسرائيلي غزة ويحاصرها من البر والبحر والجو، يظهر داخل القطاع من يحوّل المأساة إلى فرصة، ويتربّح من الجوع، وعلى رأس هؤلاء يبرز اسم فادي هشام عايش ديب، واحد من أبرز تجّار المواد التموينية الاحتكاريين، الذين تتهمهم قطاعات واسعة من المواطنين بالمساهمة في خنق الغزّيين اقتصاديًا وسط حرب إبادة لا ترحم.

من هو فادي ديب؟

ولد فادي هشام عايش ديب في 8 أكتوبر 1983، ويبلغ من العمر 42 عامًا.

ينحدر من بلدة جباليا شمال قطاع غزة، لكنه اليوم بات من أبرز تجّار المواد الغذائية والتموينية في القطاع، عبر سلسلة من الأنشطة التجارية التي تتضمن استيراد السلع من الضفة الغربية إلى غزة، وتخزينها وتوزيعها بأسعار تفوق القدرة الشرائية للناس بعدة أضعاف.

ورغم الحرب المستعرة والحصار الخانق، فإن ديب يواصل شحناته التجارية، لكنه لا يفعل ذلك بدافع الصمود أو تلبية حاجات الناس، بل من منطلق الاحتكار والكسب الفاحش، حيث تُباع السلع الأساسية — كالطحين، السكر، الزيت، المعلّبات — بأسعار تصل إلى 500% من قيمتها الحقيقية، وهو ما يثقل كاهل العائلات التي تعيش أصلاً تحت خط الجوع.

حماية خاصة لمخازن الجشع

بحسب شهادات متقاطعة من تجار صغار وسكان في جباليا، فإن فادي ديب لا يكتفي بجني الأرباح من الأزمة، بل يدفع مبالغ مالية مقابل تأمين مخازنه، سواء من خلال جهات محلية مسلّحة أو شبكات وساطة ونفوذ، لضمان استمرار تدفق بضائعه وتخزينها بأمان.

وتتمركز معظم هذه المخازن في مناطق شمال غزة، بعيدًا عن أعين الرقابة، وتخضع لحراسة مشددة تمنع الاقتراب منها.

وقد تكررت حالات استياء شعبي عندما انتشرت أنباء تفيد بأن ديب يملك عشرات الأطنان من المواد الغذائية في مستودعاته، في حين تعاني غالبية الأسواق الشعبية من النقص الشديد، ويضطر الناس للانتظار لساعات في طوابير المساعدات الدولية.

أسعار مضاعفة وندرة مصطنعة

يصف أحد البائعين في سوق النصيرات الوضع قائلًا: “كل يوم ترتفع الأسعار. كرتونة الطحين التي كانت تُباع بـ 70 شيكل أصبحت اليوم 200 شيكل، ونُجبر على شرائها من موزّعين محددين يتبعون لشركات ديب أو من يمثله. ما يحدث هو تجويع من الداخل”.

وتشير مصادر مطلعة إلى أن فادي ديب يتحكّم في سلاسل التوريد من الضفة إلى غزة، بفضل علاقات مع تجّار وشبكات نقل تعمل بالتنسيق مع الجهات المسيطرة على المعابر.

وهو يقوم بتخزين كميات ضخمة من السلع، ثم ضخّها إلى الأسواق بكميات ضئيلة وبأسعار مرتفعة جدًا، وهو ما يخلق حالة من الندرة المصطنعة التي تشعل الأسعار وتُشعل غضب الناس.

شريحة أوسع من “تجّار الموت الاقتصادي”

لا يمثّل فادي ديب حالة فريدة في غزة، بل هو جزء من منظومة أوسع تضمّ تجّارًا مشابهين الذين كوّنوا ما يشبه “نظامًا اقتصاديًا طفيليًا”، يعيش على هامش المعاناة، ويزدهر كلما اشتدت الأزمات.

ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي وتردي الأوضاع المعيشية، تحوّلت هذه الشبكات إلى شريك غير مباشر في الحرب، عبر حرمان الناس من حقهم الأساسي في الغذاء، وتعميق الهوّة الطبقية بين من يملكون المخازن ومن لا يجدون علبة حليب لأطفالهم.

وبينما يُفترض أن يكون السوق في وقت الحرب ميدانًا للتكافل والمبادرة الشعبية والتوزيع العادل، بات السوق في غزة رهينة لشبكة احتكار متمكنة، تُدار من خلف الستار، وتمنع أي محاولات للتجارة الحرة أو خفض الأسعار.

ويشير مراقبون إلى أن كثيرًا من التجّار الصغار أُخرجوا قسرًا من السوق نتيجة العجز عن مجاراة الأسعار، أو رفضهم شراء البضائع من قنوات ديب ورفاقه. وهو ما أدى إلى تقليص العرض وترك الساحة لتجّار الأزمات، الذين باتوا يتحكّمون في الأسعار كيفما شاءوا.

ويطالب ناشطون وحقوقيون بفتح ملفات علنية حول تجّار الاحتكار في غزة، ونشر قوائم دورية بأسماء كبار المستوردين والمحتكرين، ومحاسبتهم أمام الرأي العام، كما يُطالبون بأن تكون الرقابة الاقتصادية أولوية قصوى حتى في زمن الحرب، لأن الجوع لا ينتظر الهدنة، والمعاناة لا تتأجل إلى ما بعد وقف إطلاق النار.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى