يحيى هشام حلس.. بوق دعائي للاحتلال يروّج للفتنة باسم “الإنقاذ”

في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، تبرز على هامش المجازر معركة موازية لا تقلّ خطورة هي معركة الوعي ومكافحة الخطاب التحريضي الذي يروج للفتنة باسم “الإنقاذ”.
ففي هذه المعركة، تتقدّم إلى الواجهة مجموعة من الأفراد المجهّزين لا بالسلاح، بل بالكلمات المسمومة والرسائل المخادعة، يعملون ضمن شبكة “أفيخاي”، نسبةً إلى المتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، أحد أبرز رموز الدعاية الإسرائيلية الموجهة للجمهور العربي.
من أبرز هؤلاء المرتزقة، يحيى هشام حلس، الذي تحوّل خلال الحرب إلى ناطق غير رسمي باسم مشروع الاحتلال الجديد لإعادة هندسة الوعي الفلسطيني من الداخل، عبر تحريض ممنهج على المقاومة، وترويج مباشر وغير مباشر لرواية الاحتلال و”خططه الإنقاذية” المزعومة.
النشأة والخلفية الاجتماعية
وُلد يحيى هشام حلس في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، وهو أحد أحياء المقاومة التي دفعت ثمناً باهظاً في كل الحروب الإسرائيلية، وآخرها الحرب الحالية. ينتمي حلس إلى عائلة لها امتداد اجتماعي كبير في غزة، من أبناء حركة فتح، وقد ارتبط اسم والده هشام حلس بشخصيات محسوبة على السلطة الفلسطينية.
ورغم الخلفية الوطنية لعائلته، اختار يحيى طريقاً مغايراً، ابتدأ بتدوينات وتحليلات ظاهرها نقدي، سرعان ما تحوّلت إلى مادة دعائية تتماهى مع أهداف الاحتلال، وتستبطن شيطنة المقاومة، وتحويل الضحية إلى متّهم، بل وتجريم أي سلوك دفاعي في وجه العدوان.
من الناشط المدني إلى المحرّض على المقاومة
مع تصاعد القصف الإسرائيلي وتزايد أعداد الشهداء، لم يتردد حلس في توجيه سهامه نحو المقاومة، لا الاحتلال. فقد اختار في كل لحظة حرجة، حين كانت الطائرات تدمّر الأحياء السكنية وتحصد أرواح المدنيين، أن يشكك في جدوى القتال، وأن يحمّل المقاومة مسؤولية المأساة، في سردية مطابقة تماماً لما يبثّه جيش الاحتلال عبر قنواته الرسمية.
ورغم أن غالبية منشوراته تصدر بلهجة ناعمة مغلّفة بـ”الحرص” و”الإنسانية”، إلا أنها لا تبتعد كثيراً عن خطاب أفيخاي أدرعي نفسه، في تركيزها على خلق الانقسام الداخلي، ودفع المدنيين إلى التمرّد على المقاومة تحت ضغط الحصار والجوع.
انخراطه في دعاية الاحتلال
مع بدء الحديث عن توزيع المساعدات عبر جهات مشبوهة مرتبطة بمشروع الاحتلال لإعادة تشكيل البيئة السياسية والأمنية في غزة، برز حلس كواحد من مروّجي هذا المسار، مشيداً بما سمّاه “جهوداً حقيقية لإنقاذ الناس”، في إشارة إلى مشروع المساعدات الأميركي المرتبط بجيش الاحتلال.
بل إن يحيى حلس، في أكثر من مناسبة، ساهم في الترويج لـ”جهاز مكافحة الإرهاب” بقيادة ياسر أبو شباب، أحد الشخصيات المحسوبة على شبكة أفيخاي أيضاً، والذي يتلقّى الحماية من الاحتلال في جنوب غزة.
وقد ظهر حلس في منشوراته مدافعاً عن هذا الجهاز، مقلّلاً من شأن الاتهامات الموجّهة إليه بالعمالة أو الفساد، ومعتبراً أن أيّ مقاومة له إنما تصبّ في “خدمة الفوضى”.
وقد تكررت في منشوراته لغة “الإغاثة مقابل الصمت”، والمطالبة بـ”إسكات السلاح مقابل إدخال المساعدات”، وهي ذات الشعارات التي يروّج لها الاحتلال في مسعاه لفرض نموذج “جيش لحد” جديد في القطاع.
أبرز منشوراته المثيرة للفتنة
في منشور سابق له كتب حلس: “على أهل غزة أن يسألوا أنفسهم بصدق: من الذي جلب الدمار؟ ومن الذي يمنع عنّا الغذاء؟” وذلك في إسقاط مباشر على المقاومة، متجاهلاً أن الاحتلال هو الذي يحاصر ويقصف ويمنع إدخال المساعدات.
وفي منشور آخر قال: “الناس تموت جوعاً والمقاومة لا تزال تتحدث عن النصر الإلهي. أي نصر هذا؟” وذلك في خطاب استعلائي يحمّل المقاومة مسؤولية المجاعة، رغم أن التقارير الدولية تؤكد أن الاحتلال يستخدم التجويع سلاحاً ممنهجاً.
كما كتب في أحد منشوراته، متحدثاً عن جهاز ياسر أبو شباب: “لا يهم من يقود الإغاثة طالما تصل إلى الناس. دعونا نترك الأسماء جانباً ونفكر كيف نحصل على رغيف الخبز.” وهو ما اعتبره ناشطون مبرّراً مباشراً للتعامل مع شخصيات متورّطة في النهب والتعاون مع الاحتلال، بحجة “أولوية البقاء”.
حلس جزء من شبكة أفيخاي
مصادر ميدانية في غزة، وأخرى إعلامية مطّلعة، تؤكد أن يحيى هشام حلس ليس حالة فردية، بل جزء من شبكة أوسع تعمل تحت إدارة وإشراف جهاز “الهاسبارا” الإسرائيلي، وتهدف إلى اختراق البيئة الفلسطينية بأدوات ناعمة ووجوه محلّية، لتقويض الثقة بالمقاومة، وتلميع مشاريع الاحتلال التي تتستّر خلف العناوين الإنسانية.
وقد ورد اسم حلس في عدة تقارير تُعنى بتحليل خطاب الدعاية الإسرائيلية على وسائل التواصل، ضمن قائمة من 12 شخصاً يتكرّر نمط منشوراتهم في محاور محدّدة: تشويه المقاومة، تمجيد المساعدات المشروطة، الترويج للانقسام الداخلي، وتحميل المقاومة مسؤولية الجرائم الإسرائيلية.
ويبرز مراقبون أنه في زمن المجازر الجماعية، هناك مجازر من نوع آخر تُرتكب في الوعي، عبر خطاب التضليل وتزييف الحقائق. ويحيى هشام حلس، بكل ما يحمله من خلفية اجتماعية، ومهارات بلاغية، بات اليوم وجهاً من وجوه هذه الحرب الرمادية على الوعي الفلسطيني.
إنه ليس مجرد مدوّن أو صاحب رأي، بل جزء من ماكينة أخطر، تهدف إلى سلخ الناس عن مقاومتهم، وتسويق الاحتلال كـ”منقذ”، وتحويل اللصوص إلى أبطال، والمقاتلين إلى متّهمين.