تحليلات واراء

السعودية تنشط على جبهة محاربة مقاومة غزة

بينما تتواصل المباحثات الإقليمية والدولية حول اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار في غزة، تبرز المملكة العربية السعودية كلاعب محوري ليس فقط في معادلة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل أيضًا على جبهة محاربة مقاومة غزة والتآمر لإعادة رسم شكل المشهد الفلسطيني القادم، خاصة في قطاع غزة.

وفي قلب هذه الديناميكيات تبرز معادلة سعودية واضحة: لا تطبيع علني مع دولة الاحتلال قبل إقصاء فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس.

هذا الموقف عبّر عنه صراحة المحلل السياسي والكاتب السعودي دحام العنزي في تصريحات أدلى بها لموقع i24news العبري حين قال: “السعودية تشترط إقامة الدولة الفلسطينية بعد ترتيب البيت الفلسطيني والقضاء على حكم حماس في غزة والتفاهم داخل الحكومة الإسرائيلية على مبدأ السلام”.

وبحسب مراقبين فإن هذا التصريح ليس مجرد رأي محلل سياسي، بل يعكس توجهًا سعوديًا بات أكثر وضوحًا خلال الأشهر الماضية، إذ تضع الرياض معادلة تربط بين التقدم في مسار التطبيع وبين تغيير جذري في غزة يُنهي سيطرة المقاومة ويعيد القطاع إلى عباءة السلطة الفلسطينية أو أي صيغة حكم تتماشى مع الرؤية السعودية والإسرائيلية والأميركية.

مؤامرة ترويض غزة

تكمن دلالة هذا الموقف في أنّ السعودية لم تعد ترى غزة كجزء من القضية الفلسطينية بحد ذاتها، بل كملف أمني-سياسي يجب “ترويضه” قبل أي خطوة تطبيع معلنة.

ومن هنا، تصبح المقاومة في غزة -بأجنحتها العسكرية وخطابها السياسي- العقبة الأكبر أمام الرياض للمضي في ترتيباتها الإقليمية.

لكنّ هذا البعد السياسي لا ينفصل عن سياق أمني أوسع. فقد كُشف مؤخرًا عن دور سعودي سري في دعم دولة الاحتلال خلال المواجهة العسكرية مع إيران، في ما سُمي بـ”حرب الأيام الـ12″.

حماية سعودية لإسرائيل

نقلت صحيفة (إسرائيل هيوم) العبرية، إن القوات الجوية السعودية نشرت طائرات مروحية لاعتراض وتدمير طائرات مسيّرة إيرانية فوق أجواء العراق والأردن، وهي طائرات كان يمكن أن تواصل طريقها إلى دولة الاحتلال.

وأكدت الصحيفة أن إسقاط هذه الطائرات جاء لحماية المجال الجوي السعودي، لكنه في الوقت نفسه خدم (إسرائيل) بشكل مباشر، إذ منع وصول تهديدات إلى أراضيها.

ولم تتوقف حدود التعاون عند هذا الحد. بل ذكرت تقارير متطابقة أن السعودية ربما سمحت لإسرائيل بإسقاط صواريخ داخل مجالها الجوي، ووفرت بيانات رادارية ساعدت في تتبع مسارات الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية.

وفي هذا السياق، قال ستيفان لوكاس، مؤسس شركة الاستشارات الألمانية “عقول الشرق الأوسط”، لموقع DW الألماني: “السعودية تتبع مسارًا مختلفًا تمامًا. غير رسميًا، تشارك المملكة في التحرك ضد إيران وتوفر بيانات الرادار وتغض الطرف عن دخول الطائرات الإسرائيلية مجالها الجوي، لا سيما في شمال المملكة، حيث تمر معظم الصواريخ الإيرانية.”

مثل هذه التصريحات تؤكد حقيقة لم تعد خافية: السعودية أصبحت جزءًا من شبكة الأمن الإقليمي التي ترى في إيران، وحلفائها الإقليميين، تهديدًا مشتركًا في مقابل التودد والتطبيع مع دولة الاحتلال.

ومن هنا، يصبح إقصاء حماس هدفًا سعوديًا ليس فقط بدافع ترتيب البيت الفلسطيني، ما يضل المملكة في قلب مشهد إقليمي شديد التعقيد، تتقاطع فيه خطوط التطبيع مع دولة الاحتلال ومعادلة الصراع الفلسطيني الداخلي.

استراتيجية غير محسوبة العواقب

تروج الآلة الدعائية السعودية بأن المملكة تسعى إلى تحقيق مصالحها الأمنية والسياسية عبر ربط خطوات التطبيع بالقضاء على فصائل المقاومة في غزة، كشرط لإعادة ترتيب الإقليم وفق موازين جديدة.

غير أن هذا النهج يطرح أسئلة صعبة: هل يمكن بالفعل إقصاء حماس من المشهد في غزة؟ وهل تملك (إسرائيل) أو السعودية أو حتى السلطة الفلسطينية القدرة على “ترتيب البيت الفلسطيني” على النحو الذي يشترطانه؟ أم أن أي محاولة لإقصاء المقاومة ستواجه رفضًا شعبيًا واسعًا، وستعيد إشعال الصراع من جديد؟

في نهاية المطاف، تكشف التصريحات السعودية والتقارير الأمنية عن حقيقة صلبة: السعودية أصبحت طرفًا فاعلًا، لا على هامش الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل في صلبه، وهي تضع ثقلها السياسي والأمني لمحاربة فصائل المقاومة في غزة كمدخل لتحقيق التطبيع العلني في استراتيجية تحمل في طياتها رهانات كبرى، لا يزال مصيرها غير محسوم في ظل تعقيدات الواقع الفلسطيني والميداني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى