تحليلات واراء

روابط القرى بالضفة وعصابة ياسر أبو شباب بغزة.. تعددت الأسماء والهدف واحد

لم تتوقف دولة الاحتلال الإسرائيلي، منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، عن ابتداع أدوات وأساليب تهدف إلى تفتيت المجتمع الفلسطيني وإضعاف وحدته السياسية والاجتماعية، بهدف تقويض أي مشروع وطني جامع يمكن أن يفضي في النهاية إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة والحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية.

في هذا السياق، تبرز محاولتان واضحتان يفصل بينهما الزمن والجغرافيا، لكن يجمعهما جوهر الهدف ذاته: “روابط القرى” التي تروج لها دولة الاحتلال منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وظهور عصابات مسلحة في غزة اليوم مثل عصابة ياسر أبو شباب، والتي هي أداة بيد الاحتلال لإشاعة الفوضى وضرب الجبهة الداخلية.

روابط القرى: أداة إسرائيلية لتفكيك الضفة

في عام 1978، أطلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مشروع “روابط القرى” في الضفة الغربية.

بدا المشروع في ظاهره “هيئات محلية” لإدارة شؤون الفلسطينيين اليومية بعيدًا عن منظمة التحرير الفلسطينية، لكنه في حقيقته كان محاولة لتكوين قيادة فلسطينية بديلة تكون خاضعة بالكامل للاحتلال، وتُستخدم كورقة تفاوضية لاحقًا لإجهاض أي مشروع سياسي وطني مستقل.

لكن روابط القرى لم تحظَ بأي شرعية شعبية؛ بل قوبلت منذ اللحظة الأولى بالرفض والسخرية.

فالشخصيات التي عُينت لإدارتها افتقرت للمصداقية أو التأثير، وغالبًا ما كانت على تماس مباشر مع الاحتلال وأجهزته الأمنية.

وقد أدرك الفلسطينيون سريعًا خطورة هذه الروابط، كونها لم تكن سوى محاولة للفصل بين القيادة والشعب، وإظهار أن هناك “قيادات محلية” توافق على الاحتلال أو تتعايش معه، ما يبرر للمجتمع الدولي عدم دعم حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

وبالفعل، لم تتمكن روابط القرى من الصمود طويلًا أمام رفض الشارع الفلسطيني، إذ انطلقت الانتفاضة الأولى عام 1987، مكتسحةً معها هذه الروابط، التي انهارت تحت ضغط المقاومة الشعبية التي أعادت منظمة التحرير الفلسطينية إلى قلب المشهد بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

عصابة ياسر أبو شباب: مخطط مشابه في غزة

في غزة اليوم، يظهر نموذج آخر يحمل تشابهًا مقلقًا مع روابط القرى، لكنه متكيّف مع الواقع الأمني والسياسي المعقد للقطاع.

تتورط عصابة ياسر أبو شباب، بشكل علني في تنفيذ أجندة أمنية إسرائيلية تهدف إلى ضرب الاستقرار الداخلي، والتشويش على حالة الصمود الشعبي رغم أهوال الحصار والحرب.

وتتلقى هذه العصابة دعمًا ماديًا ولوجستيًا من جهات لها ارتباط مباشر بأجهزة الاحتلال، وتعمل على نشر الفوضى، والقيام بأعمال تهريب وترويج إشاعات، وربما محاولة خلق صورة إعلامية مزيفة بأن هناك حالة رفض داخلي لحكم الفصائل الفلسطينية في غزة.

وليس سرًا أن دولة الاحتلال تنظر إلى وحدة الجبهة الداخلية في غزة باعتبارها خطرًا استراتيجيًا، لأنها تُبقي المقاومة صلبة ومتماسكة. لذلك، فإن محاولات خلق كيانات أو مجموعات مسلحة عميلة، حتى لو كانت محدودة في العدد والقدرة، تأتي في سياق حرب نفسية تهدف إلى إحداث شرخ اجتماعي وضرب الثقة بين الشعب والمقاومة.

الهدف واحد: تفتيت الحالة الفلسطينية

سواء في نموذج روابط القرى أو عصابة ياسر أبو شباب، فإن الهدف الإسرائيلي واحد: صناعة بدائل مصطنعة للقيادات الوطنية الحقيقية، أو خلق كيانات داخلية موالية للاحتلال، بهدف تمزيق النسيج الوطني الفلسطيني وتقويض أي مشروع مقاوم أو سياسي جامع.

تسعى دولة الاحتلال عبر هذه الأدوات إلى تسويق فكرة أن الانقسام الفلسطيني ليس فقط سياسيًا بين فصائل كبرى كفتح وحماس، بل مجتمعيًا أعمق، ما يبرر لإسرائيل – في نظرها – فرض المزيد من السياسات القمعية والحصار تحت ذريعة “غياب شريك فلسطيني موحد”.

الأخطر أن مثل هذه الكيانات العميلة توفر للاحتلال واجهة فلسطينية يمكن أن يستعملها لاحقًا في محافل دولية أو طاولات تفاوض، لتقول للعالم إنها تتعامل مع “قيادات محلية” على استعداد للقبول بشروط إسرائيلية مجحفة مقابل بعض الامتيازات الشخصية أو المادية.

الرفض الشعبي: صخرة تتحطم عليها المؤامرات

لكن ما تجهله دولة الاحتلال – أو تتجاهله عمدًا – هو أن الشعب الفلسطيني، رغم كل ما مر به من نكبات، ما زال يحتفظ بقدر عالٍ من الوعي والقدرة على تمييز الغث من السمين.

فقد أسقط الفلسطينيون مشروع روابط القرى، وأعادوا الاعتبار لوحدتهم الوطنية. واليوم، تُواجه محاولات خلق عصابات عميلة في غزة برفض قاطع من الناس، الذين يدركون أن هذه الأدوات ليست إلا أذرعًا للاحتلال لتفكيك الجبهة الداخلية، وتجريد المقاومة من حاضنتها الشعبية.

هذا الوعي الشعبي يمثل عنصر قوة هائل، إذ يُحبط خطط الاحتلال حتى قبل أن تنضج. فرغم الحصار الخانق والحروب المتتالية، ما يزال الفلسطينيون في غزة – كما في الضفة – يرون في وحدتهم الداخلية سلاحًا لا يقل أهمية عن الصواريخ أو المواجهات الشعبية.

حسابات الاحتلال الخاطئة

خطأ دولة الاحتلال التاريخي أنها تتعامل مع المجتمع الفلسطيني وكأنه كتلة جامدة قابلة للتشكيل عبر الضغط الأمني أو الإغراء المالي.

لا تدرك تل أبيب أن المحاولات لتبديل الهوية الوطنية أو خلق كيانات بديلة لا تؤدي إلا لزيادة تماسك الفلسطينيين حول قياداتهم الحقيقية، مهما اختلفت توجهاتهم السياسية.

من روابط القرى إلى عصابات العملاء، يظل المشروع واحدًا: محاولة كسر الإرادة الفلسطينية وفرض واقع استسلامي. لكن كما فشلت روابط القرى، تبدو محاولات الاحتلال في غزة محكومة بالفشل أمام الوعي الشعبي والإصرار على حماية مشروع التحرر الوطني.

ويبقى أن الرفض الشعبي الواسع، ووعي الفلسطينيين بخطورة هذه المخططات، يبرهن أن كل محاولات الاحتلال ستظل تصطدم بجدار صلب اسمه الشعب الفلسطيني، الذي يرفض أن يُستخدم أداة في مشروع الاحتلال أو أن يُختزل في روابط مصطنعة أو عصابات عميلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى