جريمة مركبة برعاية رسمية.. السلطة تقتل ضابطها وتُخرس النقابات والحقوقيين

الغياب التام لأي موقف نقابي أو إعلامي أو حقوقي إزاء مقتل العقيد عمار دار موسى تحت التعذيب، يكشف بوضوح طبيعة منظومة السيطرة في الضفة الغربية، حيث تتكامل الأجهزة الأمنية مع الصمت المدني لتكريس القمع وتحصين الإفلات من العقاب.
ووقعت الجريمة داخل سجون السلطة الفلسطينية، والضحية هذه المرة لم يكن ناشطًا معارضًا أو مدنيًا محتجًا، بل ضابطًا رفيعًا في جهاز الأمن الوقائي، خدم أكثر من ثلاثة عقود في صفوف الأجهزة الأمنية الرسمية.
العقيد عمار محمد سعيد دار موسى، من بلدة بيت لقيا غربي رام الله، اعتُقل تعسفيًا في 27 أيار/مايو 2025، بتهمة غير معلنة، وسط تقارير غير رسمية تتحدث عن “شبهات تتعلق بتواصله مع مقاومين من كتيبة جنين”.
ومنذ لحظة اعتقاله، تعرّض لتنكيل جسدي ونفسي، وإهمال طبي متعمد داخل سجون جهاز الاستخبارات العسكرية، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في 8 تموز/يوليو.
وأصدرت عائلة دار موسى بيانًا حمّلت فيه الاستخبارات العسكرية كامل المسؤولية عن مقتل نجلها، ووصفت ظروف اعتقاله بأنها “قاسية وظالمة”، مؤكدة أنه فارق الحياة بسبب التعذيب المتواصل وحرمانه من العلاج.
واعتبرت العائلة أن ابنها “شهيد الغدر والظلم”، داعية إلى كشف الحقيقة كاملة أمام الرأي العام ومحاسبة جميع المتورطين في الجريمة.
ورغم وضوح تفاصيل الحادثة، وبشاعة ما تعرض له الضحية، لم يصدر أي موقف من نقابة أو مؤسسة حقوقية أو وسيلة إعلام رسمية. وهذا الصمت الجماعي لا يُعدّ تراجعًا عن الدور، بل يُمثل جزءًا أصيلاً من بنية الحكم في الضفة، حيث يُمنح الغطاء الكامل للأجهزة الأمنية لتنفيذ انتهاكاتها دون مساءلة.
وما جرى للعقيد دار موسى ليس حدثًا عابرًا أو استثناءً مؤسفًا، بل نموذج صريح لطبيعة العلاقة بين السلطة وأجهزتها الأمنية من جهة، والمجتمع ومؤسساته المدنية من جهة أخرى علاقة تُدار بالتخويف، وتُحكم بالصمت، وتقوم على طمس الحقيقة بدل مواجهتها.
وتُصنَّف القضية على أنها جريمة مكتملة الأركان، جمعت بين الاعتقال التعسفي، والتعذيب الممنهج، والإهمال الطبي، تلاها صمت رسمي ومدني متواطئ.
وتشير حيثيات الحادثة إلى غياب أي ضمانات قانونية أو إنسانية للمعتقلين، بمن فيهم من أمضوا حياتهم في خدمة الأجهزة الأمنية الرسمية.
ويندرج مقتل العقيد عمار دار موسى ضمن سياق أوسع من الانتهاكات الممنهجة داخل سجون السلطة، ويعكس تحوّل المؤسسات الأمنية إلى أدوات تصفية داخلية لمن يُشتبه بعدم ولائه. كما يُظهر التراجع الحاد في الدور الحمائي للسلطة، سواء تجاه منتسبيها أو تجاه المجتمع، وسط منظومة تعمل بالصمت حينًا، وبالعنف حينًا آخر.