معالجات اخبارية

معتز عزايزة.. أرزقي توثيق المأساة في غزة واستثمار المعاناة

تثبت الأيام المتتالية من عمر حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، أن معتز عزايزة ليس سوى أرزقي توثيق المأساة واستثمار المعاناة لأهدافه ومصالحه الشخصية بموازاة دوره المفضوح في التحريض على المقاومة وحاضنتها الشعبية.

ففي الشهور الأولى لحرب الإبادة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023، لمع اسم معتز عزايزة، الذي تحوّل من مراسل ميداني إلى “نجم شبكات” بفضل صوره المؤثرة ومقاطع الفيديو التي وثّق فيها بشاعة المجازر.

لكن خلف هذه الصورة الإنسانية البراقة، تبرز علامات استفهام تتعلق بمسار مقلق يتخذه عزايزة: تسييس العاطفة، توجيه النقد نحو المقاومة، واستثمار المعاناة في جمع تبرعات لا يُعرف مصيرها.

من توثيق القتل إلى احتكار الحكاية

في البداية، لم يكن عزايزة سوى صوت من بين أصوات كثيرة توثّق يوميات الحرب والموت والدمار. لكنه ما لبث أن تحوّل إلى “واجهة” إعلامية، تتكرر صوره في تقارير القنوات الغربية، وتصريحاته تُتناقل في مواقع الصحف العالمية.

هذه النجومية السريعة أثارت تساؤلات حول موقعه من الصراع: هل لا يزال ناقلاً للمعاناة أم أصبح صانعاً لسردية موجهة؟ وهل هو ابن البيئة المحاصرة، أم مُوجّه من خارجها؟

وتكرار الظهور الإعلامي لعزايزة ارتبط بخطاب بدأ ينزاح تدريجياً من فضح الاحتلال نحو تصوير الفلسطينيين كضحايا مجردين، بلا سياق نضالي أو مقاومة، وبلا فاعلية تاريخية. هذا التحول لم يكن بريئاً؛ بل ترافق مع تعمد تغييب أي دور للمقاومة، وتصوير العدوان كـ”كارثة طبيعية” تنهمر على شعب أعزل بلا سبب.

خطورة “التبرع باسم الضحية”

أحد أبرز ما يثير الجدل حول عزايزة هو نشاطه في جمع التبرعات عبر حساباته الشخصية. فخلال الشهور الماضية، أطلق عدة دعوات لجمع مساعدات إنسانية، دون أن يوضح طبيعة الجهة المستفيدة، أو يقدّم تقارير مالية توضح حجم ما جُمع، وأين صُرف، وكيف.

هذه التبرعات، التي حظيت بتفاعل واسع من متابعيه العرب والغربيين، تُطرح اليوم كمثال على استخدام المأساة في التسويق الشخصي. لا توجد شفافية في آلية التحويل، ولا ضمانات لوصول الأموال إلى الجهات المحتاجة فعلاً.

والأسوأ أن كل ذلك يتم تحت غطاء “الحب لفلسطين”، بينما لا تخضع هذه الحملات لأي رقابة قانونية أو مساءلة مجتمعية.

التحريض الناعم على المقاومة

لا يتوقف الخطر عند غموض مسار التبرعات، بل يتعداه إلى مضمون ما ينشره عزايزة نفسه. ففي عدة مقاطع مصورة وتصريحات إعلامية، بدأ الخطاب يتضمن إشارات تُفهم –ولو ضمناً– كتحريض على المقاومة الفلسطينية، عبر التلميح إلى أنها سبب ما يحصل، أو أنها تعرّض السكان للخطر، أو أنها “تختبئ بين المدنيين”.

هذا النوع من الرسائل، وإن كان ملفوفاً بلغة عاطفية، يخدم بشكل مباشر الرواية الإسرائيلية التي تسعى لتحميل المقاومة مسؤولية المجازر، وتبرئة الاحتلال من الدماء التي تسيل يومياً.

وهو خطاب خطير لأنه يصدر من داخل غزة، وباسم “توثيق إنساني”، بينما يخفي انحيازاً سياسياً واضحاً.

ازدواجية المعايير: صحفي أم عميل خارجي؟

في ذروة التصعيد، وبينما لا يتمكن أغلب الصحفيين المحليين من مغادرة القطاع، سافر عزايزة إلى الخارج وظهر في قنوات غربية، ما أثارت تساؤلات حول امتيازات يتمتع بها، لا تتوفر لغيره وتضع علامات استفهام حول علاقاته بالخارج وجهات الدعم التي تسهّل له التنقل والظهور الدولي.

ما زاد من حدة الشكوك هو تسريب معلومات تشير إلى أنه يحمل جنسية أجنبية، ربما بريطانية، ما يطرح أسئلة حول موقعه الحقيقي: هل هو صوت محلي يمثل معاناة غزة، أم واجهة لجهات إعلامية تريد “صوتاً فلسطينياً مطواعاً” يروّج لروايتها بأداء درامي محلي؟.

وأخطر ما يطرحه نموذج معتز عزايزة هو تسييل معاناة الفلسطينيين إلى مادة قابلة للتداول، ثم التربح منها على المستويين المالي والمعنوي.

فمشاهد الدمار التي يُفترض أن تثير الغضب، أصبحت وسيلة لزيادة عدد المتابعين، وتحقيق الظهور، وبناء علامة شخصية تتفوق على القضية نفسها.

وفي زمن الحرب، يتحول بعض الصحفيين إلى “مؤثرين”، لكن السؤال هنا: هل المؤثر يُستخدم لخدمة القضية، أم يستخدم القضية لخدمة نفسه؟ هذا ما ينطبق على عزايزة في صيغته الحالية: كلما ازدادت مشاهد الموت، تضاعف حضوره الإعلامي، وكأن المجزرة باتت وقوداً لحساباته.

الصمت عن النقد.. والرد بـ”أنا حر”

في مواجهة الانتقادات التي تصاعدت مؤخراً، لم يقدّم عزايزة أي توضيح حقيقي حول نشاطاته المالية أو السياسية. كل ما صدر عنه كان عبارة مقتضبة: “أنا حر”، وكأن مساءلته تُعدّ تعدياً على حريته الشخصية.

هذا الرد الذي يبدو تمرداً على المحاسبة، هو في جوهره تهرّب من الأسئلة الجوهرية: أين تذهب التبرعات؟ لماذا يُغيّب دور المقاومة؟ ومن يمول ظهوره العالمي؟

وبالإجمال فإن قصة عزايزة تقدم نموذجاً معقداً: صحفي بدأ بمهنية، لكنه انجرف إلى شعبيوية عاطفية، مدفوعة بمصالح شخصية وغموض مالي وتحريض سياسي. ليست المشكلة في كونه مشهوراً، بل في طبيعة هذه الشهرة التي تستند إلى دماء شعبه، وتُستخدم أحياناً لضرب أهم أدوات صموده: المقاومة.

في النهاية، على الجمهور الفلسطيني والعربي ألّا يكتفي بمظاهر التعاطف، بل أن يسأل: من يتحدث باسمنا؟ ماذا يفعل بالثقة التي منحناه إياها؟ وهل يستحق أن يُمنح صوت الضحية، أم أنه بات أداة جديدة لتشويه الحقيقة من الداخل؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى