
تزامناً مع توقف “قافلة الصمود” المغاربية على مشارف مدينة سرت في ليبيا، تواجه المبادرة الإنسانية هجوماً رقمياً واسعاً على منصة “X”، تقوده مجموعات منظمة من الحسابات المصرية، في تحرك يبدو متناغباً بشكل كامل مع موقف السلطات المصرية الرافض لعبور القافلة نحو معبر رفح.
القافلة التي انطلقت من تونس بمشاركة شخصيات شعبية من دول عربية وغربية، أرادت أن توصل صوت التضامن الإنساني إلى قطاع غزة، غير أن رحلتها اصطدمت بحملة تحريض ضخمة عبر الفضاء الرقمي، تستهدف النيل من أهدافها والطعن في مصداقية المشاركين فيها، وهي حملة اتسمت بالتنسيق العالي وتكرار الخطاب ونمطية الأسلوب.
التحليل الزمني لمحتوى الحملة الرقمية يُظهر أن انطلاقتها كانت مساء العاشر من يونيو/حزيران 2025، واستمرت بشكل مكثف في اليومين التاليين، في سياق منظّم يعتمد على مجموعة من الحسابات التي تبدو مصممة خصيصاً لتنفيذ مهام دعائية محددة، تشمل التضخيم والتشويه والترويج لعبارات مسيئة موجهة ضد القافلة، في وقت تواجه فيه الأخيرة عراقيل ميدانية تقف خلفها سلطات شرق ليبيا.
التحريض الرقمي المصري
وما يميز هذه الحملة ليس فقط لغتها الهجومية، بل اعتمادها على هاشتاغات مركزة حملت طابعاً ساخراً وعدائياً في آن، أبرزها #قافله_الصمود_الخرفانيه، و#قافلة_الخيانة_مصيرها_الفشل، وهي وسوم راجت بشكل كبير خلال ساعات قصيرة بفضل معدل التفاعل غير الطبيعي، ما يشير إلى تدخل آلي أو شبه آلي في توزيعها، مع مشاركة مكثفة لحسابات غير موثقة أو حديثة الإنشاء.
ورغم أن القافلة لم تكن تضم أي سلاح أو أجندة سياسية، بل جاءت بصبغة إنسانية خالصة، فإن بعض الحسابات المتورطة في الهجوم عليها ذهبت إلى اتهامها بالخيانة أو العمالة، وكررت خطاباً يشيطن المبادرات الشعبية التي تتقاطع مع القضية الفلسطينية من خارج الأطر الرسمية، ما يعكس ذهنية أمنية ترى في التضامن الشعبي تهديداً محتملاً للسردية التي تحتكرها الدولة.
محاصرة قافلة الصمود
وفي هذا السياق، تبرز المواقف التي عبّر عنها مشاركون في القافلة أو داعمون لها من خارج حدودها الجغرافية، خصوصاً من موريتانيا، حيث نظّمت وقفة أمام السفارة الإيرانية في نواكشوط، وألقى عدد من الدعاة والمناصرين كلمات تؤكد أن المبادرة، رغم ما تعرضت له من عراقيل، نجحت في إحياء الروح الجماعية، ووحّدت أطيافاً مختلفة حول هدف مشترك يتمثل في كسر الحصار عن قطاع غزة.
ورأى الإمام والداعية الحسن ولد حبيب الله أن المنع الذي تعرضت له القافلة في ليبيا يعكس امتداداً طبيعياً لسياسات النظام المصري، الذي اتهمه بالتواطؤ مع الاحتلال في خنق غزة.
كما أشار إلى أن القافلة كانت لتنجح في كسر الحصار لولا التدخل الإسرائيلي المباشر والضغط الإقليمي الذي أحاط بها.
ومن جانبه، أكد الشيخ ولد محمد، العائد من القافلة، أن هذه المبادرة شكلت لحظة نادرة من الالتحام الشعبي، ورسّخت أن الشعوب لا تزال حية في وجه الخذلان الرسمي.
أمام هذا المشهد، تبدو الحملة الإلكترونية جزءاً من أدوات أوسع لمحاصرة التضامن الشعبي المستقل، عبر التشويه المنظم وصناعة رأي عام افتراضي يعكس مواقف السلطة لا نبض الشارع الحقيقي، وهو تكتيك بات مألوفاً في العديد من الملفات الحساسة، لكنه يكشف هنا، في سياق غزة، عن عمق الفجوة بين الشعوب وحكوماتها.